قيل: إنَّ هذا هو الذي يُعيد هذه الشبْهة جَذعة أبداً١، والذي يَحلُّها٢: أن تَنْظر: أتتصوَّرُ أَن تكُون معْتَبِراً مفكِّراً في حالِ اللفظ مع اللفظ حتى تضَعَه بجنبهِ أو قبلَه، وأن تقولَ: "هذه اللفظية إنما صلت ههنا لكونِها على صفةِ كذا" أم لا يُعقل إلا أن تقول: "صلحت ههنا، لأن معناها كذا، ولدلالتها على كذا، ولن معنى الكلامِ والغرضِ فيه يُوجب كذا، ولأن معنى ما قبلها يَقْتضي معناها؟ ".
فإِن تصورتَ الأولَ، فقلْ ما شئْتَ، واعلمْ أنَّ كلَّ ما ذكرناهُ باطلٌ وإنْ لم تتصورْ إلا الثاني، فلا تخْدَعنَّ نفْسَك بالأَضاليل، ودعِ النظرَ إلى ظواهر الأمور٣، ليس هو الذي طلبْتَه بالفكرِ، ولكنه شيءٌ يقعُ بسببِ الأَولِ ضرورةً، من حيثُ إِنَّ الألفاظَ إذا كانتْ أوعيةً للمعاني، فإِنَّها لا محالةَ تَتَبْع المعاني في مواقعها، فإِذا وجَبَ لِمعنًى أنْ يكونَ أولاً في النفسِ، وجَب للفظ لادال عليه أن يكونَ مثْلَه أوَّلاً في النُّطق، فأمَّا أَن تتصورَ في الألفاظِ أن تكونَ المقصودةَ قبلَ المعاني بالنَّظم والترتيبِ، وأن يكونَ الفكر في النظم الذي يتواصفه البغاء فكرًا نظْم الألفاظ، أو أن تحتاجَ بَعْد ترتيبِ المعاني إلى فكْرٍ تستأنفُه لأن تجيءَ بالألفاظِ على نَسَقها، فباطلٌ منَ الظنَّ، ووهْمٌ يُتخيَّل إلى من

١ "أعاد الشيء جذعًا" أي جديدًا. وأصل "الجذع" ما قبل الثنى من البهائم، ويطلق على الشاب من الناس والأنثى "جذعة"، "رشيد".
٢ في "ج": "الذي يحله"، وفي "س": "والذي يحله عنك" وفي هامش المطبوعة: "في نسخة: يحيله عنك".
٣ في المطبوعة: "ترتيب الألفاظ".


الصفحة التالية
Icon