بأن يتوهم عليهم مثل هذا من الغلط، وهم من إذا ذاق الكلام عرف قائله من قبل أن يذكر، ويسمع أحدهم البيت قد استرفده الشاعر فأدخله في أثناء شعر له، فيعرف موضعه وبنيه عليه، كما قال الفرزدق لذي الرمة أهذا شعرك؟ هذا شعر لاكه أشد لحيين منك١ إلى ضروب من دقيق المعرفة يقل هذا في جنبها؟ وإذا لم يصح الغلط عليهم، ولم يجز أن يدعي أنه كان معهم في زمانهم من كان بالأمر أعلم٢، وبالذي وقع التحدي إليه أقوم، فما زالت الشبهة في كونه معجزًا له.
١٣ - وإن قالوا: فإن ههنا أمرًا آخر، وهو ما علمنا من تقديمهم شعراء الجاهلية على أنفسهم، وإقرارهم لهم بالفضل، وإجماعهم في امرئ القيس وزهير والنابغة والأعشى أنهم أشعر العرب. وإذا كان ذلك كذلك، فمن أين لنا أن نعلم أنهم لم يكونوا بحيث لو تحدوا إلى معارضة القرآن لقاموا بها واستطاعوها؟
قيل لهم: هذا الفصل على ما فيه لا يقدح في موضع الحجة، وذلك أنهم كانوا، كما لا يخفى، يروون أشعار الجاهليين وخطبهم، ويعرفون مقاديرهم في الفصاحة معرفة من لا تشكيل جهات الفضل عليه، فلو كانوا يرون فيما رووا وحفظوا مزية على القرآن٣، أو رأوه قريبًا منه، أو بحيث يجوز أن يعارض بمثله، أو يقع لهم إذا قاسموا وازنوا أن هذا الذي تحدوا إلى معارضته لو تحدى إليه من قبلهم لاستطاعوا أن يأتوا بمثله، لكانوا يدعون ذلك ويذكرون، ولو ذكروه لذكر
٢ في المطبوعة: "أنه كان في زمانهم"، أسقط "معهم".
٣ في المخطوطة: "كانوا يرؤون كما رووا وحفظوا"، وهو كلام مضطرب، وصححه الناشران، وحذفا "وحفظوا" لم؟ لا أدري.