هذا، ومن يسلم بأن امرأ القيس زاد في البلاغة وشرف النظم على نظم من كان قبله، ما إذا اعتبر كان في مزية قدر القرآن على نظم من كان في عصر النبي ﷺ أن من أين لهم هذه الدعوى؟ ألشيء علموه هم في شعره، بان لهم عند قياسه إلى شعر من كان قبله كأبي دواد والأفوه الأودي وغيرهما؟ أم لخبر أتاهم؟ فليرونا مكانه، وليس لهم إلى ذلك سبيل، بل قد أتى الخبر بما يجهلهم في هذه الدعوى ويكذبهم، وهو الذي تقدم من قول أبي الأسود وتفضيله أبا دواد بحضرة أمير المؤمنين على رضوان الله عليه١، ويعد أن قال له: "قل يا أبا الأسود"، أفيكون أن يكونوا قد عرفوا لامرئ القيس المزية التي ذكروها، وكان فضله على من تقدمه الفضل الذي قالوه، ثم يقول أمير المؤمنين لأبي الأسود: "قل"، بحضرة العرب، وبعقب أن تشاجروا في أشعر الناس، فيؤخره ويقدم أبا دؤاد، ثم لا يسمع نكيرًا، كالذي يجب فيمن قال الشيء الظاهر بطلانه، وذهب مذهبًا لا مساغ له! وليست تذكر أمثال هذه الزيادة، ويتكلف الجواب عنها، أنها تأخذ موضعًا من قلب ذي لب، ولكن الاحتياط بذكر ما يتوهم أن يستروح إليه الغوى، ويغالط به الجاهل.
وإذا كانت الشبهة في أصل الدين، كانت كالداء الذي يخشى منه على الروح، ويخاف منه على النفس، فلا يستقل قليله، ولا يتهاون باليسير منه، ولا يتوهم مكان حركة له إلا استقصى النظر فيه، وأعيد الكي على نواحيه، وكالحيوان ذي السم يعاد الحجر على رأسه، ما دام يرى به حس وإن قل.
والله ولي العصمة، والمسئول أن يجعل كل ما نعيد ونبدئ فيه لوجهه، بفضله ومنه.