أجوافها من تلك اللطائف، ثم تمجها أربًا وتقذفها ماديًا١، إذن لكان الجاحظ وغير الجاحظ في عداد عامة زمانهم الذين لم يروا، ولم يحفظوا، ولم يتتبعوا كلام الأولين، من لدن ظهر الشعر وكان الخطابة إلى وقتهم الذي هم فيه٢، ولم يعرفوا إلا ما يتكلم به آباؤهم وإخوانهم ومساكنوهم في الدار والمحلة، أو كانوا لا يزيدون عليهم إن زادوا بمقدار معلوم. فمن أعظم الجهل وأشد الغباوة، أن يجعل تقدم أحدهم لأهل زمانه من باب نقض العادة، وأن يعد معد المعجز٣.
٢٥ - فمثل هذه الطبقة إذن مع الصدر الأول، وقياس هؤلاء الخلف مع أولئك السلف، ما جرى بين ابن ميادة وعقال٤، قال ابن ميادة:
فَجَرْنا ينابيعَ الكَلامِ وبَحْرَهُ | فأصْبَحَ فيهِ ذو الروايةِ يَسْبَحُ |
وما الشعرُ إِلاّ شعرُ قيسٍ وخندف | وقول سواهم كلفة وتملح |
ألا أبلغ الرَّمَّاحَ نقْضَ مقالةٍ | بها خَطِلَ الرَّمَّاحُ أو كان يَمْزَحُ٥ |
لقد خَرَّقَ الحيُّ اليمانون قَبْلَهم | بُحورَ الكلام تستقي وهي طفح |
وقد عَلَّموا مَنْ بَعْدَهُمْ فتعلَّموا | وهمْ أَعْرَبوا هذا الكلام وأوضحوا |
فللسابقين الفضل لا تنكرونه | وليس لملخوق عليهم تبجح |
١ في المطبوعة: "مذيا"، أساء فغير ما في المخطوطة، و"الأرى"، العسل. و"الماذي"، العسل الأبيض.
٢ في المطبوعة: "وكانت الخطابة"، والذي في المخطوطة لا غبار عليه.
٣ في المخطوطة: "معد العجز".
٤ سلف شعر ابن ميادة وعقال في دلائل الإعجاز: ٥٩٠، ٥٩١، مع بعض الاختلاف هنا في حروف منه.
٥ في المخطوطة والمطبوعة: "أو كاد يمزح"، وهي تصحيف.
٢ في المطبوعة: "وكانت الخطابة"، والذي في المخطوطة لا غبار عليه.
٣ في المخطوطة: "معد العجز".
٤ سلف شعر ابن ميادة وعقال في دلائل الإعجاز: ٥٩٠، ٥٩١، مع بعض الاختلاف هنا في حروف منه.
٥ في المخطوطة والمطبوعة: "أو كاد يمزح"، وهي تصحيف.