وقول عبد الرحمن بن حسان:

لم تفتها شمس النهار بشيء غير أن الشباب ليس يدوم١
وقول البحتري:
عريقون في الإضال يوتنف الندى لناشئهم من حيث يوتنف العمر٢
لا ينظر في هذا وأشباهه عارف إلا علم أنه لا يوجد في المعنى الذي يرى مثله، وأن الأمر قد بلغ غايته، وأن لم يبق للطالب مطلب.
٢٩ - وكذلك السبيل في المنثور من الكلام، فإنك تجد فيه متى شئت فصولًا تعلم أن لن يستطاع في معانيها مثلهان فمما لا يخفى أنه كذلك قول أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضيوان علي بن أبي طالب رضوان الله عليه: "قيمة كل امرئ ما يحسنه"، وقول الحسن رحمه الله عليه: "ما رأيت يقينًا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت". ولن تعدم ذلك إذا تأملت كلام البلغاء ونظرت في الرسائل.
ومن أخص شيء بأن يطلب ذلك فيه، الكتب المبتدأة الموضوعة في العلوم المستخرجة، فإنا نجد أربابها قد سبقوا في فصول منها إلى ضرب من اللفظ والنظم، أعيا من بعدهم أن يطلبوا مثله، أو يجيئوا بشبيه له، فجعلوا لا يزيدون على أن يحفظوا تلك الفصول على وجوهها، ويودوا ألفاظهم فيها على نظامها وكما هي٣. وذلك ما كان مثل قول سيبويه في اول الكتاب:
١ ليس لعبد الرحمن بن حسان هو لأبيه حسان بن ثابت في ديوانه.
٢ مضى في دلائل الإعجاز رقم: ٥٧١.
٣ في المطبوعة: "ويرددوا ألفاظهم"، لا يدري لم غير النص.


الصفحة التالية
Icon