سيرِها وسهولتهِ كالماءِ يجري في الأَبْطُحِ، فإنَّ هذا شَبَهٌ معروفٌ ظاهر، ولكنَّ الدِّقةَ واللطفَ في خصوصيةٍ أفادَها١، بأنْ جعَلَ "سال" فعلاً للأباطحِ، ثم عدَّاه بالباءِ، ثم بأَن أدخلَ الأعناقَ في البين٢، فقال: "بأعناقِ المطيِّ"، ولم يَقُلْ: "بالمطيِّ"، ولو قالَ: "سالتِ المطيُّ في الأَباطح"، لم يَكُنْ شيئاً.
وكذلك الغرابةُ في البيتِ الآخر، ليسَ في مُطْلق معنى "سال"، ولكنْ في تَعْديته بعلى والباء، وبأنْ جعَلَه فِعْلاً لقولِه "شعابُ الحَيِّ" ولولا هذه الأمورُ كلُّها لم يكنْ هذا الحُسْنُ. وهذا مَوضعٌ يَدِقُّ الكلامُ فيه.
٧١ - وهذِه أشياءُ من هذا الفن:
اليومُ يومانِ مُذْ غَيِّبْتَ عن بَصَري... نفْسي فداؤك، ماذنبي فأَعْتَذِرُ
أُمسي وأُصِبحُ لا ألقاكَ، وَاحَزَنَاً... لقدْ تأَنَّق في مكرُوهِيَ القَدَر٣
سَوَّارُ بن المضَرَّب، وهو لطيف جدًا:
بِعَرْض تَنُوفةٍ للريحِ فيها... نَسيمٌ لا يرُوعُ الترب وإن٤
بعض الأعراب:
ولرب خصم جاهدين ذوي شذا... تقذى صدورهم بهتر هاتر

١ في "س" وأشار إليها رشيد رضا في نسخة: "الرقة" يدل على "الدقة".
٢ في المطبوعة: "في البيت"، وأشار إلى نسخة فيها "البين"، أيضًا، وقد سلف بيان مثلها في الفقرة: ٦١.
٣ في هامش "ج" حاشية لم أحسن قراءتها.
٤ من قصيدة له من الأصمعيات رقم: ٩١، وروايته: "بكل تنزفة... خفيف لا يروع".


الصفحة التالية
Icon