[مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦]: الْفَاءُ حَرْفٌ يَقْتَضِي الرَّبْطَ وَالسَّبَبَ وَهُوَ بِمَعْنَى التَّعْقِيبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ، وَهِيَ هَاهُنَا جَوَابٌ لِلشَّرْطِ رَبَطَتْ الْمَشْرُوطَ بِهِ وَجَعَلَتْهُ جَوَابَهُ أَوْ جَزَاءَهُ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ بَيْدَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ: إنَّ فِي هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالْوَجْهِ؛ إذْ هُوَ جَزَاءُ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ.وَقَالَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَ جَوَابُ الشَّرْطِ مَعْنًى وَاحِدًا؛ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ جُمَلٌ كُلُّهَا جَوَابًا وَجَزَاءً لَمْ نُبَالِ بِأَيِّهِمَا بَدَأَتْ؛ إذْ الْمَطْلُوبُ تَحْصِيلُهَا. وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ رَوْنَقٌ وَلَيْسَ بِمُحَقَّقٍ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦]؛ فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَالنَّظَرُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ، كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَجَّ وَجَاءَ إلَى الصَّفَا: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»، وَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا وَاجِبَةً. وَيَعْضُدُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ عُمْرَهُ كُلَّهُ مُرَتِّبًا تَرْتِيبَ الْقُرْآنِ، وَفِعْلُهُ هَذَا بَيَانُ مُجْمَلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ عُظْمَى قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُخْتَارُ فِيهَا.
[مَسْأَلَة كَيْفِيَّة الْغُسْل]
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦]: وَظَنَّ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ فِي الْفَصَاحَةِ بَلْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسِوَاهُ أَنَّ الْغَسْلَ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِ عَرْكٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ فِي