الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ بَيَّنَّا فِي الرِّسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ إعْرَابَ الْآيَةِ، وَقَدْ قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّهُ عَمِلَ فِي " سَلَامٍ " الْأَوَّلِ الْقَوْلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَالُوا قَوْلًا وَسَلَّمُوا سَلَامًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ سَلَامًا.
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ: إنَّ نَصْبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَظْهَرُ وُجُوهِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَمِلَ فِيهِ الْقَوْلُ كَانَ عَلَى مَعْنَى السَّلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ عَمَلُ لَفْظِهِ، كَأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَلَى الْمَعْنَى، كَمَا تَقُولُ: قُلْت حَقًّا، وَلَمْ يَنْطِقْ بِالْحَاءِ وَالْقَافِ، وَإِنَّمَا قُلْت قَوْلًا مَعْنَاهُ حَقٌّ، وَهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا بِسَلَامٍ، وَلِذَا أَجَابَهُمْ بِالسَّلَامِ، وَعَلَى هَذَا جَرَى قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ. قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ أَمْرِي سَلَامٌ، أَجَابَهُمْ عَلَى الْمَعْنَى. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا قَوْلُهُ: ﴿قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ﴾ [هود: ٦٩].
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَلَائِكَةِ هِيَ تَحِيَّةُ بَنِي آدَمَ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: الصَّحِيحُ أَنَّ " سَلَامًا " هَاهُنَا مَعْنَى كَلَامِهِمْ لَا لَفْظُهُ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: ٦٣]، وَلَوْ كَانَ لَفْظُ كَلَامِهِمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذِكْرَ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ ذِكْرَ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ سَلَامٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَرَادَ ذِكْرَ اللَّفْظِ قَالَ بِعَيْنِهِ، فَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ الْمَلَائِكَةِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: ٢٤]. ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣]، وَأَبْدَعُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ﴾ [الصافات: ١١٩] ﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافات: ١٢٠]. وَقَالَ أَيْضًا: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾ [الصافات: ١٢٩] ﴿سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ [الصافات: ١٣٠].
[مَسْأَلَة السَّلَامَ يُرَدُّ بِمِثْلِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: قَوْلُهُ: ﴿قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ﴾ [هود: ٦٩]
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ يُرَدُّ بِمِثْلِهِ، كَمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِي قَالَ: كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَيُسَلَّمُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيُرَدُّ كَمَا يُقَالُ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا سَلَامٌ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.