فَكَلَّمُوهُ
فِي ذَلِكَ، فَدَعَاهُمْ وَدَعَاهُ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَفْسِيرِ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: ١] فَسَكَتُوا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ اللَّهُ إيَّاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلَّا مَا تَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْآيَةَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَجَالِسِنَا هَذِهِ، وَإِنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْهُ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١١] الصَّحَابَةَ ﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَالِمَ وَالطَّالِبَ لِلْحَقِّ.
وَالْعُمُومُ أَوْقَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ]
َ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: ١٢].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: ١٢] قَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دِينَارٌ؛ قُلْت: لَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: نِصْفُ دِينَارٍ. قُلْت: لَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: فَكَمْ؟ قُلْت: شَعِيرَةٌ. قَالَ إنَّك لَزَهِيدٌ. فَنَزَلَتْ: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ [المجادلة: ١٣] قَالَ: فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ». وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ أُصُولِيَّتَيْنِ: الْأُولَى نَسْخُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ فِعْلِهَا.
الثَّانِيَةُ النَّظَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ بِالْقِيَاسِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.