المُلْكِ عاضّاً على أُصبُعِهِ، برهانا له لِيَقَعَ التناسبُ، بيْنَ العوَالِمِ بعضِها ببعْضٍ، فسُجِنَ في دائرةِ العلمِ والإرادَةِ حتَّى بَلَغَ الوقتُ في دائرةِ عالَمِ الملكِ والشهادةِ، ولما وقَعَ السِّجنُ بالأمرِ الإلهيِّ في دائرةِ عالَم الملكوتِ، تمنَّى يوسُف - عليه السلام - السجنَ هنا في دائرةِ الملكِ والشهادةِ على مقْتضى الترتيب الحكميِّ والأمْرِ الشرْعيِّ، وليسَ منْ شأْنِ الأنبياءِ عليهم السلامُ التَّعَرُّضُ للبلايا، إِنما شأنهم طلبُ العافيةِ والرِّضا.
وهمَّةُ زليخا إنما كانَ باطنُها محبَّة أزليَّة، وظاهرُها شَهْوَانية، فانْحَجَبتْ عنِ المحبةِ الأزلية بالشَّهوةِ الطبيعيةِ، وكذلك لمَّا قالت: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) فكلامُها ظاهرٌ وباطنٌ، فظاهرُهُ خطابٌ للعزيزِ لأنها منْ أهلِه، وأن يوسف - عليه السلام - أَرَادَ بها السُّوءَ، وباطنُهُ في الحقيقةِ خطابٌ للحقِّ؛ كأنها قَالت: يا ربِّ ما جَزاءُ منْ أرادَ بأهلِكَ سوءاً إلا أن يسجن؛ لأن يوسَف - عليه السلام - في الحقيقةِ منْ أهلِ اللهِ، وهي التي أرادَتْ بهِ السُّوءَ؛ لغَلَبَةِ محبة الطبيعةِ على المحبةِ الأزليةِ، فسجَنَ العزيزُ يوسفَ - عليه السلام -