بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:" فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما" فَاسْتَحَقَّ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لِذَلِكَ أَنْ يُذَمُّوا، وَيُنْسَبُوا إِلَى اللُّؤْمِ وَالْبُخْلِ، كَمَا وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: شَرُّ الْقُرَى الَّتِي لَا تُضِيفُ الضَّيْفَ وَلَا تَعْرِفُ لِابْنِ السَّبِيلِ حَقَّهُ. وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الضِّيَافَةَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةً، وَأَنَّ الْخَضِرَ وَمُوسَى إِنَّمَا سَأَلَا مَا وَجَبَ لَهُمَا مِنَ الضِّيَافَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْصِبِ الْفُضَلَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الضِّيَافَةِ فِي" هُودٍ" «١» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَيَعْفُو اللَّهُ عَنِ الْحَرِيرِيِّ «٢» حَيْثُ اسْتَخَفَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَتَمَجَّنَ، وَأَتَى بِخَطَلٍ مِنَ الْقَوْلِ وَزَلَّ، فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى الْكُدْيَةِ «٣» وَالْإِلْحَاحِ فِيهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعِيبٍ عَلَى فَاعِلِهِ، وَلَا مَنْقَصَةَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
وَإِنْ رُدِدْتُ فَمَا فِي الرَّدِّ مَنْقَصَةٌ | عَلَيْكَ قَدْ رُدَّ مُوسَى قَبْلُ وَالْخَضِرُ |
(٢). هو صاحب المقامات المشهورة والبيت الذي لمح فيه إلى الآية من مقامته (الصعدية)، في ك: تسخف.
(٣). الكدية: تكفف الناس.
(٤). الحديث في مخاصمة الزبير لرجل من الأنصار في سيول شريج الحرة فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" أراد ما دفع حول المزرعة كالجدار.