إلا إذا مشي معه ليعينه، لأنه ارْتَكَبَ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:" وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) قَدْ تَقَدَّمَ فِي" طه" «١» وَغَيْرِهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَخَافُونَ، رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْخَوْفَ لَا يُنَافِي الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ وَلَا التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: أَصْبَحَ خَائِفًا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا. وَقِيلَ: خَائِفًا مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يُسَلِّمُوهُ. وَقِيلَ: خَائِفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. (يَتَرَقَّبُ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَتَلَفَّتُ مِنَ الْخَوْفِ وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ. وَيَنْتَظِرُ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:" يَتَرَقَّبُ" أَيْ يَتَرَقَّبُ الطَّلَبَ. وَقِيلَ: خَرَجَ يَسْتَخْبِرُ الْخَبَرَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَلِمَ بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ غَيْرَ الْإِسْرَائِيلِيِّ. وَ" أَصْبَحَ" يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى صَارَ، أَيْ لَمَّا قَتَلَ صَارَ خَائِفًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ، أَيْ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَهُ. وَ" خائِفاً" مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ أَصْبَحَ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَى الْحَالِ، وَيَكُونُ الظَّرْفُ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) أَيْ فَإِذَا صَاحِبُهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي خَلَّصَهُ بِالْأَمْسِ يُقَاتِلُ قِبْطِيًّا آخر أرد أَنْ يُسَخِّرَهُ. وَالِاسْتِصْرَاخُ الِاسْتِغَاثَةُ. وَهُوَ مِنَ الصُّرَاخِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَغِيثَ يَصْرُخُ وَيُصَوِّتُ فِي طَلَبِ الْغَوْثِ. قَالَ «٢»:

كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صَارِخٌ فَزِعٌ كَانَ الصُّرَاخُ لَهُ قَرْعَ الظَّنَابِيبِ
قِيلَ: كَانَ هَذَا الْإِسْرَائِيلِيُّ الْمُسْتَنْصِرُ السَّامِرِيَّ اسْتَسْخَرَهُ طَبَّاخُ فِرْعَوْنَ فِي حَمْلِ الْحَطَبِ إِلَى الْمَطْبَخِ، ذَكَرَهُ القشيري و" الَّذِي" رفع بالابتداءو-" يَسْتَصْرِخُهُ" فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الحال. وأمس لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوِ الْإِضَافَةُ تَمَكَّنَ فَأُعْرِبَ بِالرَّفْعِ وَالْفَتْحِ عِنْدَ أكثر النحويين. منهم مَنْ يَبْنِيهِ وَفِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وغيره أن
(١). راجع ج ١١ ص ٢٠٢ طبعه أولى أو ثانية.
(٢). هو سلامة بن جندل. والطنابيب (جمع ظنبوب): وهو حرف العظم اليابس من الساق. والمراد سرعة الإجابة.


الصفحة التالية
Icon