هذا مثل قوله تعالى: (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) «١» وَأَنَّ الْقِيَامَةَ مَوَاطِنُ لِطُولِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَيُسْأَلُ فِي بَعْضٍ وَلَا يُسْأَلُ فِي بَعْضٍ، وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يُسْأَلُونَ إِذَا اسْتَقَرُّوا فِي النَّارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ حَفِظَهَا عَلَيْهِمْ، وَكَتَبَتْهَا عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ. رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا: الْمَعْنَى لَا تَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ، دَلِيلُهُ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تعالى: (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) «٢» وقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) وَقَالَ: لَا يَسْأَلُهُمْ لِيَعْرِفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُهُمْ لِمَ عَمِلْتُمُوهَا سُؤَالَ تَوْبِيخٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُسْأَلُ غَيْرُ الْمُجْرِمِ عَنْ ذَنْبِ الْمُجْرِمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ قَبْلُ، ثُمَّ خُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَتَكَلَّمَتِ الْجَوَارِحُ شَاهِدَةً عَلَيْهِمْ. وَفِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ قَالَ: (فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ «٣» أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِي فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بخير ما استطاع فيقول ها هنا إِذًا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ فيتفكر فِي نَفْسِهِ مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ) وَقَدْ مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ في (حم السجدة) وغيرها».

(١). راجع ج ١٣ ص (٣١٦)
(٢). راجع ج ١٠ ص (٥٩)
(٣). أي فل: معناه يا فلان وليس ترخيما له، وانما هي صيغة ارتجلت في النداء، ولا تقال الا بسكون اللام. وقال قوم: انه ترخيم فلان.
(٤). راجع ج ١٥ ص ٤٨ وص ٣٥٠


الصفحة التالية
Icon