عُذْرَهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَالْفَرَّاءُ وَالسُّدِّيُّ أَيْضًا وَمُقَاتِلٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ: أَيْ لَوْ أَدْلَى بِعُذْرٍ أَوْ حُجَّةٍ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ. نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ [غافر: ٥٢] وقوله: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات: ٣٦] فَالْمَعَاذِيرُ عَلَى هَذَا: مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُذْرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِيَّاكَ وَالْأَمْرُ الَّذِي إِنْ تَوَسَّعَتْ مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْكَ الْمَصَادِرُ
فَمَا حَسَنٌ أَنْ يَعْذِرَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ عَاذِرُ
وَاعْتَذَرَ رَجُلٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَذَرْتُكَ غَيْرَ مُعْتَذِرٍ، إِنَّ الْمَعَاذِيرَ يَشُوبُهَا الْكَذِبُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
أَيْ لَوْ تَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ. حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْإِدْلَاءُ بِالْحُجَّةِ وَالِاعْتِذَارُ مِنَ الذَّنْبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
هَا إِنَّ ذِي عِذْرَةٌ إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ فَإِنَّ صَاحِبَهَا مُشَارِكُ النَّكَدِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْكُفَّارِ وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا «١» مُشْرِكِينَ [الانعام: ٢٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ «٢» [المجادلة: ١٨]. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَقُولُ: (يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ) الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" حم السَّجْدَةِ" «٣» وَغَيْرِهَا. وَالْمَعَاذِيرُ وَالْمَعَاذِرُ: جَمْعُ مَعْذِرَةٍ، وَيُقَالُ: عَذَرْتُهُ فِيمَا صَنَعَ أَعْذِرُهُ عُذْرًا وَعُذُرًا، والاسم المعذرة والعذري، قال الشاعر: «٤»
إني حددت ولا عذري لمحدود
(١). راجع ج ٦ ص (٤٠١)
(٢). راجع ج ١٧ ص ٩٨٢.
(٣). راجع ج: ١٥ ص ٣٥ ففيه معنى ما أشار إليه القرطبي وأما الحديث فقد أورده في سورة الانعام ج ٦ ص (٤٠٢) [..... ]
(٤). قائله الجموح الظفري. وقيل: هو راشد بن عبد ربه. وعذري مقصور. وفي اللسان: صواب إنشاده لولا حددت. على إرادة أن تقديره: لولا أن حددت لان لولا التي معناها امتناع الشيء لوجود غيره هي مخصوصة بالأسماء وقد تقع بعدها الافعال على تقدير أن.


الصفحة التالية
Icon