تَخْرُجُ مِنَ النَّوَاةِ، وَالْحَيَاةُ فِي النَّخْلَةِ وَالسُّنْبُلَةِ تشبيه. قال: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أَيْ بِغَيْرِ تَضْيِيقٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يُعْطِي بِغَيْرِ حِسَابٍ، كَأَنَّهُ لَا يَحْسِبُ مَا يُعْطِي.
[سورة آل عمران (٣): آية ٢٨]
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُلَاطِفُوا الْكُفَّارَ فَيَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَمَثَلُهُ" لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ «١» دُونِكُمْ" وَهُنَاكَ يَأْتِي بيان هذا المعنى. (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) أَيْ فَلَيْسَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَلَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي شي، مثل" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ" «٢». وَحَكَى سِيبَوَيْهِ" هُوَ مِنِّي فَرْسَخَيْنِ" أَيْ مِنْ أَصْحَابِي وَمَعِي. ثُمَّ اسْتَثْنَى وَهِيَ: الثَّانِيَةُ- فَقَالَ: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَتِ التَّقِيَّةُ فِي جِدَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ أَنْ يَتَّقُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَلَا يُقْتَلُ وَلَا يَأْتِي مَأْثَمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ جَائِزَةٌ لِلْإِنْسَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا تَقِيَّةَ فِي الْقَتْلِ. وَقَرَأَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ:" إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً" وَقِيلَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ قَائِمًا بَيْنَ الْكُفَّارِ فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُمْ «٣» بِاللِّسَانِ إِذَا كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقِيَّةُ لَا تَحِلُّ إِلَّا مَعَ خَوْفِ الْقَتْلِ أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الْإِيذَاءِ الْعَظِيمِ. وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَلَّبَ وَلَا يُجِيبَ «٤» إِلَى التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" النَّحْلِ" «٥» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَالَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" تُقَاةً"، وَفَخَّمَ الْبَاقُونَ، وَأَصْلُ" تُقاةً" وُقَيَةٌ على وزن فعلة، مثل
(٢). راجع ج ٨ ص ٢٤٦.
(٣). في ز: أن يداهنهم.
(٤). في ب وز: ولا يجب التلفظ.
(٥). راجع ج ١٠ ص ١٨٠.