لَا تُتْبِعِ الدُّنْيَا وَأَيَّامَهَا ذَمًّا وَإِنْ دَارَتْ بِكَ الدَّائِرَةُ
مِنْ شَرَفِ الدُّنْيَا وَمِنْ فَضْلِهَا أَنَّ بِهَا تُسْتَدْرَكُ الْآخِرَةُ
وَرَوَى أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ أَدَّى إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانَ فِي الْأَجْرِ وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ أَلَّا يُعْصَى إِلَّا فِيهَا وَلَا يُنَالَ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِتَرْكِهَا). وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ). وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَسَمَّعْ «١» مِنَ الْأَيَّامِ إِنْ كُنْتَ حَازِمًا فَإِنَّكَ مِنْهَا بَيْنَ نَاهٍ وَآمِرِ
إِذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ فَمَا فَاتَ مِنْ شَيْءٍ فَلَيْسَ بِضَائِرِ
وَلَنْ تَعْدِلَ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَا وَزْنَ زِفٍّ «٢» مِنْ جَنَاحٍ لِطَائِرِ
فَمَا رَضِيَ الدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُؤْمِنٍ وَلَا «٣» رَضِيَ الدُّنْيَا جَزَاءً لِكَافِرِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ حَيَاةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ يُزْجِيهَا «٤» فِي غُرُورٍ وَبَاطِلٍ، فَأَمَّا حَيَاةُ الْمُؤْمِنِ فَتَنْطَوِي عَلَى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، فَلَا تَكُونُ لَهْوًا وَلَعِبًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) أَيِ الْجَنَّةُ لِبَقَائِهَا، وَسُمِّيَتْ آخِرَةٌ لِتَأَخُّرِهَا عَنَّا، وَالدُّنْيَا لِدُنُوِّهَا مِنَّا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) بِلَامٍ وَاحِدَةٍ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ، التَّقْدِيرُ: وَلَدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ. وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) اللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَرَفَعَ الدَّارَ بِالِابْتِدَاءِ، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ نَعْتًا لَهَا وَالْخَبَرَ (خَيْرٌ لِلَّذِينَ) يقويه
(١). كذا في الأصول. وهو المعنى المراد. وفي ط الأول: تمتع.
(٢). الزف (بالكسر): صغير الريش، وخص بعضهم به ريش النعام، وورد في أدب الدنيا والدين (وزن ذر).
(٣). كذا في الأصول. بل الدنيا جزاء الكافر لقوله عليه الصلاة والسلام" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر". [..... ]
(٤). يزجى الأيام يدافعها.


الصفحة التالية
Icon