بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ وَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ دَمًا كَانَ لِبَنِي بَكْرٍ عِنْدَ خُزَاعَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِمُدَّةٍ، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ الْمُنْعَقِدَةُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَمِنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَاغْتَنَمَ بَنُو الدِّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ- وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ الدَّمُ لَهُمْ- تِلْكَ الْفُرْصَةَ وَغَفْلَةَ خُزَاعَةَ، وَأَرَادُوا إِدْرَاكَ ثَأْرِ بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ «١»، الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خُزَاعَةُ، فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ معاوية ألد يلي فِيمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، حَتَّى بَيَّتُوا «٢» خُزَاعَةَ وَاقْتَتَلُوا، وَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ، وَقَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَعَانُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، فَانْهَزَمَتْ خُزَاعَةُ إِلَى الْحَرَمِ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ مَسْطُورٌ «٣»، فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلصُّلْحِ الْوَاقِعِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ وَقَوْمٌ مِنْ خُزَاعَةَ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستغيثين به فيما أصابهم به بنو بكر وقريش، وأنشده عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ فَقَالَ:
يَا رَبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا | حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا |
كُنْتَ لَنَا أَبًا وَكُنَّا وَلَدَا | ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا |
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا عَتَدَا | وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا |
فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا | أَبْيَضَ مِثْلَ الشَّمْسِ يَنْمُو صُعُدَا |
إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا | فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا |
إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا | وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا |
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا | وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا |
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ «٤» هُجَّدَا | وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا |
(٢). بيت القوم والعدو أوقع بهم ليلا.
(٣). راجع تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام في فتح مكة.
(٤). في الأصول: (الحطيم). والتصويب عن سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري ومعجم ياقوت وكتب الصحابة في ترجمة (عمرو بن سالم الخزاعي). والوتير: اسم ماء بأسفل مكة لخزاعة.