لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَمَنْ مَعَهُ: (إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ سَيَأْتِي لِيَشُدَّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الصُّلْحِ «١» وَسَيَنْصَرِفُ بِغَيْرِ حَاجَةٍ). فَنَدِمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى مَا فَعَلَتْ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَسْتَدِيمَ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الصُّلْحِ، فَرَجَعَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ خَبَرِهِ. وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَفَتَحَهَا اللَّهُ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. فَلَمَّا بَلَغَ هَوَازِنَ فَتْحُ مَكَّةَ جَمَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مِنْ غَزَاةِ حُنَيْنٍ. وَسَيَأْتِي بَعْضُهَا. وَكَانَ الظَّفَرُ وَالنَّصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ. وَكَانَتْ وَقْعَةُ هَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمَ الْغَنَائِمِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالنِّسَاءِ، فَلَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى أَتَى الطَّائِفَ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَقِيلَ غير ذلك. ونصب عليهم المنجنيق ورما هم بِهِ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ تِلْكَ الْغَزَاةِ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ، وَقَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ أَمْرِهَا وَخَبَرِهَا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا، وَأَقَامَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَهُوَ أَوَّلُ أَمِيرٍ أَقَامَ الْحَجَّ فِي الْإِسْلَامِ. وَحَجَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَشَاعِرِهِمْ. وَكَانَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ خَيِّرًا فَاضِلًا وَرِعًا. وَقَدِمَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْتَدَحَهُ، وَأَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
وأنشد ها إلى آخر ها، وَذَكَرَ فِيهَا الْمُهَاجِرِينَ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ- وَكَانَ قَبْلَ دلك قَدْ حُفِظَ لَهُ هِجَاءٌ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَابَ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ إِذْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ، فَغَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَصِيدَةٍ يَمْتَدِحُ فِيهَا الْأَنْصَارَ فَقَالَ:
مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ | فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ «٢» |
وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ | إِنَّ الْخِيَارَ هُمُ بَنُو الْأَخْيَارِ |
الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ | كَسَوَافِلِ الْهِنْدِيِّ غَيْرِ قِصَارِ «٣» |
(٢). المقنب: الجماعة من الفوارس. [..... ]
(٣). السمهري: الرمح. وسافلة القناة: أعظمها وأقصر ها كعوبا. والهندي: الرماح.