وقفنا على قوله -جل وعلا-: ﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [(٤٣) سورة الطور] لما قرر على سبيل الاستفهام الإنكاري ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾ [(٣٥ - ٣٦) سورة الطور]، هذه الأمور هل يتصور أن أحداً يقول: خلقت من غير شيء، وجدت هكذا، أو يقول: إنه خلق نفسه؟ لا يمكن أن يدعي هذا أحد، لا بد أن يدعي له خالقاً، والفعل لا بد له من فاعل، ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾ [(٣٦) سورة الطور] هل يستطيعون أن يخلقوا ما دون السماوات والأرض من المخلوقات اليسيرة؟ ﴿لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [(٧٣) سورة الحج]، لا يستطيعون أن يخلقوا شيئاً ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [(٧٣) سورة الحج]، تجد الذباب إذ أخذ شيئاً وفر به تجد الواحد يتبعه، ولذلك يقول أهل العلم: إن الذباب إذا أخذ شيئاً مع أنه يأخذ شيئاً يسير جداً يستحيل مباشرة عن هيئته، بحيث لا يمكن لو اجتمع الجن والإنس على استخلاصه منه ما استطاعوا -هذا في هذه الحشرة الصغيرة-، لا يستطيع المخلوق كلهم من جنهم وانسهم لا يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، قد يقول قائل: إنهم خلقوا ما هو أعظم منه من طائرات، وبواخر، وسفن فضائية، وبوارج وغيرها أيضاً هذه ليست بشيء -هذه جمادات-، فليخلقوا شيئاً فيه روح، فيه حياة لا يستطيعون، مع أن علمهم بهذه الأمور علم بالظاهر لا علم باطن ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [(٧) سورة الروم]، قد يقول قائل: كيف يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم وصلوا إلى عمقها وتخومها في أعماق البحار، وفي الأجواء، هذا ظاهر الحياة الدنيا؟ نعم هذا ظاهر الحياة الدنيا، والله لو علموا باطن الحياة الدنيا لأسلموا؛ لكن عقولهم لم تتعدى الظاهر، لو علموا الباطن حقائق الأمور وعلى وجهها لما بقي منهم كافر.


الصفحة التالية
Icon