في القصة الأولى التي رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- جبريل على صورته فخر مغشياً عليه، فنزل جبريل له في صورة الآدميين ليسكن روعه، ليسكن روعه؛ لأنه في صورته العادية، وكثيراً ما يأتي جبريل بصورة دحية الكلبي، ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ [(٨) سورة النجم] "قرب منه"، ﴿فَتَدَلَّى﴾ "زاد في القرب" ﴿فَكَانَ﴾ [(٩) سورة النجم] "منه" ﴿قَابَ﴾ قدر ﴿قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ "من ذلك حتى أفاق وسكن روعه" لأن القرب لا شك أنه أقرب إلى الهدوء من الكلام الذي يسمع من بعد، أو الشبح الذي يرى من بعد.
﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [(١٠) سورة النجم]، ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ﴾ [(٩ - ١٠) سورة النجم] الضمير عند أكثر المفسرين يعود إلى جبريل، ومنهم من يقول: الضمير يعود إلى الله -جل وعلا-، ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ [(٨) سورة النجم] "قرب"، ﴿فَتَدَلَّى﴾ "زاد في القرب" وهذا لا يمتنع في حقه -جل وعلا- باعتبار أن حديث النزول.. ، يعني هذا فهم، قد يقول: هذا فهم واحتمال من الآية فلا دلالة فيه، لكن حديث النزول يدل على النزول دلالة قطعية، يعني الحديث متواتر: ((ينزل ربنا)) ولا ينكره إلا المبتدعة، و ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [(١٠) سورة النجم] مقتضى قولنا: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ﴾ [(٨ - ٩) سورة النجم] أن الضمير يعود إلى جبريل أن أوحى أيضاً يعود إلى جبريل؛ لتكون الضمائر متناسقة، فأوحى جبريل إلى عبده إلى عبد الله ورسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- لكن ضمير عبده يحتاج إلى عائد وهو الله -جل وعلا- ولا ذكر له، فهذا يقتضي أن الضمائر كلها في نسق واحد، وهذا يرجح قول من يقول: ثم دنا: يعني الرب -جل وعلا-، وتعالى عن مشابهة المخلوقين، تعالى الله عما يقول المشبهة علواً كبيراً قرب فتدلى زاد في القرب، فكان منه من النبي -عليه الصلاة والسلام- قاب قدر قوسين أو أدنى من ذلك حتى أفاق وسكن روعه.


الصفحة التالية
Icon