لكن إذ ما جاءت مسألة الدين، إذا ما صلى قال: والله مكتوب عليه أنه ما يصلي، ما أسلم هذا القدر السابق ويحتج بالقدر، المشركون ﴿لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ﴾ [(١٠٧) سورة الأنعام] ويحتج به أيضا الفساق من المسلمين يحتجون بالقدر، لكنه القدر إنما يحتج به على المصائب لا على المعايب، واحتج آدم موسى كما في الصحيحين وغيرهم: ((فقال موسى: محتجاً على الله-جل وعلا- بأنه خلقه بيده، وأسجد له ملائكته قال: أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال: يا موسى، أنت الذي اختصك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، فكم تجدني كتب علي هذا قبل أن أخلق، فقال: بكذا وكذا سنة فحج آدم موسى)) يعني آدم احتج بالقدر على المعيب وإلا على المصيبة؟ على المعصية وإلا على المصيبة؟ المعصية ذهب أثرها، وجودها كأنه لم يعص تاب، تاب منها، اجتباه الله وهداه بعد ذلك ما كان له أثر، ليس له أثر، وإنما بقية المصيبة المترتبة على هذه المعصية احتجوا بالقدر عليها، يعني لو أن شخصاً سقط فانكسرت رجله فقيل له: لماذا؟ وراء ما شفت، وراء ما انتبهت؟ هذا شيء كتبه الله علي هذا صحيح، لكن لو سرق لا يجوز له أن يقول هذا شيء كتبه الله عليه ولو شاء الله ما سرقت، هذا كلام المشركين ﴿لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ [(١٤٨) سورة الأنعام] ليس لأحد حجة، وليس لأحد عذر بعد هذا البيان.
﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [(٥) سورة القمر] "حكمة خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ " يعني ﴿وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ أو بدل من ما" يقول: ولقد جاءهم من الأنباء حكمة بالغة بدل من ما أو بيان له، ﴿حِكْمَةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف هذا حكمة، أو هذه حكمة بالغة خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من ما أو من مزدجر، المزدجر هو الحكمة، أو الذي فيه مزدجر هو الحكمة، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه حكمة بالغة وصف، حكمة بالغة يعني: "تامة"، بلغة الغاية في هذه الحكمة.


الصفحة التالية
Icon