﴿فِي شَأْنٍ﴾ [(٢٩) سورة الرحمن] يقول المفسر: "أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل" أمر يظهر على وفق ما قدره، الله -جل وعلا-، قدر المقادير قبل خلق السماوات والأرض فهذه المقادير تقديرها في علم الله -جل وعلا- وكتابته هذا أمر سابق، لكن إظهار هذه المقادير إلى عالم الشهود هو الشأن الذي أشير إليه في الآية، ﴿هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [(٢٩) سورة الرحمن] "أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل، من إحياء وإماتة وإعزاز وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داعٍ، وإعطاء سائل، وغير ذلك" يقول: "من إحياء وإماتة" هذا شأن ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [(٢٥٨) سورة البقرة] "وإعزاز وإذلال" يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، يعز من يشاء، ويذل من يشاء "وإغناء وإعدام" تجد الإنسان فقير يغنيه الله في لحظة، أو غني يفتقر في لحظة، "وإغناء وإعدام، وإجابة داعٍ" إلى ما سال، أو إلى غيره مما هو أعظم منه، أو لا يجاب، بل يدخر له، تدخر له دعوته في الآخرة، أو يدفع عنه من الشر ما هو أعظم مما طلب، "وإعطاء سائل" الله -جل وعلا- يعطي من سأله ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [(٦٠) سورة غافر] ((هل من سائل فأعطيه؟ )) في حديث النزول، وفي حديث -الحديث الإلهي-: ((يا عبادي لو أن آخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألني كل واحد مسألته فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيء)) "وغير ذلك" من الشئون والتصاريف التي تختلف من شخص إلى آخر، فلا يشغله شخص عن غيره، ولا أمة عن غيرها، ولا جنس عن غيره، ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [(٣٠) سورة الرحمن] ولا شك أن تغيير الأحوال إنما هي من الآلاء من النعم، فإذا تغيرت حال الإنسان من الفقر إلى الغنى هذه بالنسبة له نعمة، عليه أن يشكر هذه النعمة، إذا تغيرت حاله من غنى إلى فقر هي أيضاً نعمة، والخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-؛ لأنه احتمال أن يطغى بغناه فيهلك فيكون الفقر خيراً له، فهذه نعمة وهكذا.
"من إحياء وإماتة" قد تكون حياته خير له، قد تكون وفاته خيراً له؛ لئلا يفتتن، المقصود أن هذه كلها نعم إذا نظرنا إليها بعين البصيرة.


الصفحة التالية
Icon