"من إعزاز وإذلال" الذل في أمور الدنيا يعني من فقر ونزع ملك أو فصل من وظيفة أو ما أشبه ذلك قد يكون خير لهذا الشخص، والخيرة فيما يختاره الله -جل وعلا-، لكن على الإنسان أن يفعل ما يناسب المقام إن كانت نعمة لا شك أنه عليه أن يشكر هذه النعمة، وإن كانت في الظاهر مصيبة فعليه أن يصبر على هذه المصيبة، ويجزم بأن الأجر المرتب عليها خيراً منها، فتنقلب حينئذٍ نعمة، وكثيراً ما تنقلب المحن منح.
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ [(٣١) سورة الرحمن] سنفرغ لكم: يعني "سنقصد لحسابكم"، سنقصد لحسابكم؛ لأن الفراغ الأصل فيه أن يكون عن شغل، والذي يفرغ من الشغل الذي ينشغل بالأشغال هو المخلوق، وأما الرب -جل وعلا- فلا يشغله شيء عن شيء بحيث يفرغ من الشغل الذي انشغل به، هذا لا يذكر في جانب الله -جل وعلا-، ولذا قال: "سنقصد لحسابكم" سنقصد لحسابكم، أولاً: في الآية الأولى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [(٢٩) سورة الرحمن] رد على اليهود الذين يقولون: إن الله -جل وعلا- يوم السبت لا يصنع شيئاً، يرتاح فيه، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ [(٣١) سورة الرحمن] يقول المؤلف: "سنقصد لحسابكم"، سنقصد لحسابكم، وإلا فالله -جل وعلا- لا ينشغل بشيء؛ لأن مقتضى الفراغ أن يكون مشغولاً بما قبله، الفراغ للشيء مقتضاه أن يكون مشغولاً بما قبله، وهذا لائق بالمخلوق، لكنه لا يليق بالله -جل وعلا-، وإنما المراد به سنقصد لحسابكم؛ لأنه مع كونه -جل وعلا- كل يوم في شأن بالنسبة لآحاد الناس وأفرادهم، لآحاد الخلائق كلها، يصرف أمورها، لكنه لم ينشغل بذلك -جل وعلا-، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [(٨٢) سورة يس] فلا يقتضي ذلك شغلاً منه حتى يفرغ منه، لا، قال: سنقصد لحسابكم، وإنما جاء الخطاب على حسب ما يفهمون.


الصفحة التالية
Icon