هود آية (٣٥ ٣٧) بطريق النصيحةِ لهم والشفقةِ عليهم وبأنه لم يألُ جهداً في إرشادهم إلى الحق وهدايتِهم إلى سبيله المستبينِ وإمحاضِ النصحِ لهم ولكن لا ينفعهم ذلك عند إرادة الله تعالى لإغوائهم وتقييدُ عدمِ نفع النصحِ بإرادته مع أنه محقق لا محال للإيذان بأن ذلك النصحَ منه مقارِنٌ للإرادة والاهتمامِ به ولتحقيق المقابلةِ بين ذلك وبين ما وقع بإزائه من إرادته تعالى لإغوائهم وإنما اقتُصر في ذلك على مجرد إرادةِ الإغواءِ دون نفسِه حيث لم يقل إن كان الله يغويكم مبالغةً في بيان غلبةِ جنابِه عز وعلا حيث دل ذلك على أن نُصحَه المقارِنَ للاهتمام به لا يُجديهم عند مجردِ إرادةِ الله سبحانه لإغوائهم فكيف عند تحقيقِ ذلك وخلقِه فيهم وزيادةُ كان للإشعار بتقدم إرادتِه تعالى زماناً كتقدّمها رتبةً وللدلالة على تجدّدها واستمرارِها وإنما قُدّم على هذا الكلامِ ما يتعلق بقولهم فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا منَ قوله تعالى إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَاء رداً عليهم من أول الأمرِ وتسجيلاً عليهم بحلول العذابِ مع ما فيه من اتصال الجوابِ بالسؤال وفيه دليلٌ على أنَّ إرادتَه تعالى يصِحّ تعلقُها بالإغواء وأن خلافَ مرادِه غيرُ واقع وقيل معنى أن يغويكم أن يُهلكَكم من غوَى الفصيلُ غوًى إذا بشِم وهلك
﴿هُوَ رَبُّكُمْ﴾ خالقُكم ومالكُ أمركم
﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيجازِيكم على أعمالِكم لا محالة
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعني نوحا عليه الصلاة والسلام ومعناه بل أيقولُ قومُ نوحٍ إن نوحاً افترى ما جاء به مسنِداً إلى الله عزَّ وجلَّ
﴿قُلْ﴾ يا نوح
﴿إِنِ افتريته﴾ بالفرض البحث
﴿فَعَلَىَّ إِجْرَامِى﴾ إثمي ووبالُ إجرامي وهو كسبُ الذنب وقرىء بلفظ الجمع وينصُره أن فسّره الأولون بآثامي
﴿وَأَنَاْ بَرِىء مّمَّا تُجْرَمُونَ﴾ من إجرامكم في إسناد الافتراءِ إليّ فلا وجهَ لإعراضكم عني ومعاداتِكم لي وقال مقاتلٌ يعني محمداً ﷺ ومعناه بل أيقولُ مشركو مكةَ افترى رسولُ الله ﷺ خبرَ نوحٍ فكأنه إنما جيء به في تضاعيفِ القصةِ عند سَوْق طرفٍ منها تحقيقاً لحقيتها وتأكيداً لوقوعها وتشويقاً للسامعين إلى استماعها لا سيما وقد قُصَّ منها طائفةٌ متعلقةٌ بما جرى بينه ﷺ وبين قومِه من المُحاجَّة وبقِيَتْ طائفةٌ مستقلّةٌ متعلقةٌ بعذابهم
﴿وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ﴾ أي المُصِرِّين على الكفر وهو إقناط له ﷺ من إيمانهم وإعلامٌ لكونه كالمُحال الذي لا يصِحّ توقّعُه
﴿إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ إلا من قد وُجد منه ما كان يُتوقَّع من إيمانه وهذا الاستثناءُ على طريقة قولِه تعالى إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ
﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ أي لا تحزَنْ حزْنَ بائسٍ مستكينٍ ولا تغتمَّ بما كانوا يتعاطَوْنه من التكذيب والاستهزاء والإيذاءِ في هذه المدة الطويلةِ فقد انتهى أفعالُهم وحان وقتُ الانتقامِ منهم
﴿واصنع الفلك﴾ ملتبساً
﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ أي بحفظِنا وكلاءتِنا كأنَّ معه من الله عز وجل حفاظا وحراسا يكلئونه بأعينهم من التعدّي من الكفرة ومن الزَّيغِ في الصَّنعةِ
﴿وَوَحْيِنَا﴾ إليك كيف تصنعُها وتعليمِنا وإلهامِنا عن ابن عباس رضي