سورة المؤمنون (٢١ ٢٣) الآخرِ أي تنبت بالشَّيءِ الجامع بين كونهِ دُهناً يُدهنُ به ويُسرجُ منه وكونهِ إداماً يُصبغ فيه الخبز أي يُغمس فيه للائتدام وقرئ وصباغٍ كدباغٍ في دِبْغٍ
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأنعام لعبرة﴾ بيان للنعم الفائضة عليهم من جهة الحيوانِ إثرَ بيانِ النِّعم الواصلةِ إليهم من جهة الماءِ والنَّبات وقد بُيِّن أنها مع كونها في نفسِها نعمةً ينتفعون بها على وجوهٍ شتى عبرةٌ لابد من أنْ يعتبرُوا بها ويستدلُّوا بأحوالها على عظيم قدرة الله عز وجل وسابغ رحمته ويشكروه ولا يكفروه وخُصَّ هذا بالحيوان لما أنَّ محلَّ العبرة فيه أظهرُ ممَّا في النَّباتِ وقولُه تعالى ﴿نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِى بُطُونِهَا﴾ تفصيلٌ لما فيها من مواقعِ العبرةِ وما في بطونِها عبارة إمَّا عن الألبانِ فمِن تبعيضيةٌ والمرادُ بالبطونِ الجَوفُ أو عن العلف الذي يتكوَّن منه اللَّبنُ فمن ابتدائيةٌ والبطون على حقيقتها وقرئ بفتح النُّونِ وبالتَّاءِ أي تسقيكم الأنعامُ ﴿وَلَكُمْ فيِهَا منافع كَثِيرَةٌ﴾ غيرَ ما ذُكر من أصوافِها وأشعارِها ﴿ومنها تأكلون﴾ فتنتفعون بأعيابها كما تنتفعون بما يحصُل منها
﴿وَعَلَيْهَا﴾ أي على الأنعامِ فإنَّ الحملَ عليها لا يقتضي الحملَ على جميعِ أنواعِها بل يتحقَّقُ بالحمل على البعضِ كالإبل ونحوِها وقيل المرادُ هي الإبلُ خاصَّة لأنَّها هي المحمولُ عليها عندهم والمناسبُ للفلك فإنَّها سفائنُ البرِّ قال ذُو الرُّمَّةِ [سفينةُ بَرَ تحتَ خَدِّي زِمامُها] فالضَّميرُ فيهِ كما في قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ ﴿وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ﴾ أي في البرِّ والبحرِ وفي الجمع بينها وبين الفُلكِ في إيقاع الحملِ عليها مبالغةٌ في تحمُّلِها للحملِ وهو الدَّاعي إلى تأخير ذكرِ هذه المنفعةِ مع كونِها من المنافعِ الحاصلةِ منها عن ذكرِ منفعةِ الأكلِ المتعلِّقة بعينِها
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾ شروعٌ في بيانِ إهمال الأُمم السَّابقةِ وتركهم النَّظرَ والاعتبارَ فيما عُدِّد من النِّعمِ الفائتة للحصر وعدم تذكرهم بتذكير رسلهم وما حاقَ بهم لذلك من فُنون العذاب تحذيراً للمُخاطبين وتقديمُ قصَّةِ نوحٍ عليه السَّلامُ على سائرِ القصصِ مما لا يخفى وجهُه وفي إيرادِها إثرَ قوله تعالى وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ من حُسنِ الموقِع ما لا يُوصف والواوُ ابتدائيةٌ واللامُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ وتصديرُ القِصَّةِ به لإظهار كمالِ الاعتناءِ بمضمونِهَا أي وبالله لقد أرسلنا نوحا الأخ ونسبهُ الكريمُ وكيفيَّةُ بعثهِ وكميَّةُ لبثهِ فيما بينهم قد مرَّ تفصيله في سورة الأعراف وسورة هود ﴿فعال﴾ متعطِّفاً عليهم ومستميلاً لهم إلى الحق ﴿يا قوم اعبدوا الله﴾ أي اعبدوه وحدَه كما يُفصح عنه قولُه تعالى في سُورة هود أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله وتركَ التَّقييدِ به للإبذان بإنَّها هي العبادةُ فقط والعبادة بالإشراكِ فليستْ من العبادة في شيءٍ رأساً وقولُه تعالى ﴿مَّا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لتعليل العبادةِ المأمورِ بها أو تلعيل الأمرِ بها وغيرُه بالرَّفعِ صفة