سورة النور (٣٢) لعدم تمييزهم من الظُّهور بمعنى الاطِّلاع أو لعدم بلوغهم حدَّ الشَّهوةِ من الظُّهور بمعنى الغَلَبة والطِّفلُ جنس وضع موضع الجمع اكتفاءً بدلالةِ الوصفِ ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ﴾ أي ما يخفينَه من الرؤيةِ ﴿مِن زِينَتِهِنَّ﴾ أي ولا يضربن بأرجلِهنَّ الأرض ليتقعقع خلخالهن فليعلم أنهن ذوات خلخال فإنَّ ذلك ممَّا يُورث الرِّجالَ ميلاً إليهنَّ ويُوهم أن لهن ميلا إليهم وفي النَّهيِ عن إبداء صوتِ الحُلى بعد النَّهي عن إبداءِ عينها من المبالغةِ في الزَّجرِ عن إبداء موضعها مالا يخفى ﴿وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً﴾ تلوينٌ للخطابِ وصرْفٌ له عن رسول الله ﷺ إلى الكُلِّ بطريق التَّغليبِ لإبراز كمال العنايةِ بما في حيِّزه من أمرِ التوبة وأنَّها من معظمات المهمَّاتِ الحقيقة بأنْ يكونَ سبحانَهُ وتعالى هو الآمرَ بها لما أنه لا يكاد يخلوا أحدٌ من المكلَّفين عن نوعِ تفريطٍ في إقامة مواجبِ التَّكاليفِ كما ينبغي وناهيك يقول رسول الله ﷺ شيَّبتني سورةُ هودٍ لمَا فيها من قولهِ عزَّ وجلَّ فاستقم كَمَا أُمِرْتَ لا سيما إذا كان المأمورُ به الكفَّ عن الشَّهواتِ وقيل توبُوا عمَّا كنتُم تفعلونَه في الجاهليَّةِ فإنه إن وجب بالإسلام لكن يجب الندم عليه والعزمِ على تركهِ كلَّما خطرَ ببالهِ وفي تكرير الخطابِ بقوله تعالى ﴿أيها المؤمنون﴾ تأكيدٌ للإيجاب وإيذانٌ بأنَّ وصفَ الإيمانِ موجبٌ للامتثال حتما وقرئ أيّهُ المؤمنون ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تفوزونَ بذلكَ بسعادةِ الدَّارينِ
﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ بعد ما زَجر تعالى عن السِّفاحِ وماديه القريبةِ والبعيدةِ أمرَ بالنِّكاحِ فإنَّه مع كونهِ مقصُوداً بالذَّات من حيثُ كونُه مناطاً لبقاء النَّوعِ خيرُ مزجرةٍ عن ذلك وأيامى مقلوب أيا يم جمعُ أيِّم وهو مَن لا زوج له من الرِّجالِ والنِّساءِ بكراً كان أو ثيِّباً كما يُفصح من قالَ... فإنْ تَنْكحِي أنكِحْ وإنْ تتأيَّمي... وإنْ كُنتُ أفتى مِنكُم أتأيَّمِ...
أي زَوِّجُوا مَن لا زوجَ له مِن الأحرارِ والحَرَائرِ ﴿والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ﴾ على أنَّ الخطابَ للأولياءِ والسَّاداتِ واعتبارُ الصَّلاحِ في الأرقَّاءِ لأنَّ من لا صلاحَ له منهم بمعزل من أن يكون خليفا بأن يعتني مولاه بشأنه ويشق عليه ويتكلَّفُ في نظمِ مصالحهِ بما لا بدَّ منه شَرعاً وعادةً من بذل المالِ والمنافعِ بل حقه أن يستبقيَه عنده وأمَّا عدمُ اعتبار الصَّلاحِ في الأحرارِ والحرائرِ فلأنَّ الغالبَ فيهم الصَّلاحُ على أنَّهم مُستبدُّون في التَّصرفاتِ المتعلِّقةِ بأنفسهِم وأموالهم فإذا عزمُوا النِّكاحَ فلا بدَّ من مساعدةِ الأولياءِ لهم إذ ليسَ عليهم في ذلك غرامةٌ حتَّى يُعتبر في مقابلتها غنيمةٌ عائدةٌ إليهم عاجلةً أو آجلةً وقيل المرادُ هو الصَّلاحُ للنِّكاحِ والقيامِ بحقوقهِ ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ إزاحةً لما عسى يكونُ وازعاً من النِّكاحِ من فقرِ أحدِ الجانبينِ أي لا يمنعنَّ فقرُ الخاطبِ أو المخطوبةِ من المُناكحةِ فإنَّ في فضل اللَّهِ عزَّ وجلَّ غُنيةً عن المال فإنه فقر أحد غادروائح يرزق مَن يشاء مِن حيثُ لاَ يحتسبُ أو وعدٌ منه سبحانه بالإغناءِ لقوله ﷺ اطلبُوا الغِنى في هذه الآيةِ لكنَّه مشروطٌ بالمشيئةِ كما في قوله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إن شاء الله ﴿والله واسع﴾ غنيٌّ ذُو سَعةٍ لا يرزؤُه إغناءُ الخلائق إذا لا نفادَ لنعمتهِ ولا غاية لقدرته مع ذلك ﴿عليم﴾ يبسط