سورة الشعراء (٨ ١٠) والواو للعطف على مقدار يقتضيه المقام أي افعلُوا ما فعلُوا من الإعراضِ عن الآيات والتَّكذيبِ والاستهزاء بها ولم ينظرُوا ﴿إِلَى الأرض﴾ أي عجائبها الزَّاجرةِ عمَّا فعلُوا الدَّاعيةِ إلى الإقبال على ما أعرضُوا عنه وإلى الإيمانِ بهِ وقولُه تعالَى ﴿كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ استئنافٌ مبيِّن لما في الأرضِ من الآيات الزَّاجرةِ عن الكُفر الدَّاعيةِ إلى الإيمان وكمْ خبريةٌ منصوبةٌ بما بعدها على المفعوليَّةِ والجمعُ بينها وبينَ كلِّ لإفادةِ الإحاطةِ والكثرةِ معاً ومن كل زوج أي صنف تمييز والكريمُ من كلِّ شيءٍ مرضيُّه ومحمودُه أي كثيراً من كلِّ صنفٍ مرضيَ كثير المنافع أنبتنا فيها وتخصيصُ إنباته بالذِّكر دون ما عداه من الأصنافِ لاختصاصِه بالدِّلالةِ على القُدرة والنعمة معاً ويُحتمل أنْ يرادَ به جميعُ أصناف النبات نافعِها وضارِّها ويكون وصفُ الكلِّ بالكرمِ للتنبيه على أنَّه تعالى ما أنبتَ شيئا إلا وفيه حكمة فائدةٌ كما نطقَ به قوله تعالى هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الارض جَمِيعاً فإنَّ الحكيمَ لا يكادُ يفعلُ فعلاً إلا وفيه حكمةٌ بالغةٌ وإنْ غفلَ عنها الغافلونَ ولم يتوصَّلْ إلى معرفةِ كُنْهِها العاقلون
﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ إشارةٌ إلى مصدرِ أنبتنا أو إلى كلُّ واحدٍ من تلك الأزواجٍ وأيَّا ما كان فما فيه من معنى البعد للإبذان ببُعدِ منزلتِهِ في الفضلِ ﴿الآية﴾ أي آيةً عظيمةً دالَّةً على كمالِ قُدرةِ مُنبتها وغايةِ وفُورِ علمهِ وحكمتِه ونهايةِ سعَةِ رحمتِه موجبةً للإيمانِ وازعةً عن الكُفرِ ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾ أي أكثر قومه ﷺ ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ قيل أي في علم الله تعالى وقضائِه حيثُ علم أزلاً أنَّهم سيُصرفون فيما لا يزالُ اختيارُهم الذي عليه يدورُ أمرُ التَّكليفِ إلى جانب الشَّرِّ ولا يتدبَّرون في هذه الآياتِ العظامِ وقال سيبويِه كانَ صلةٌ والمعنى وما أكثرُهم مؤمنين وهو الأنسبُ بمقامِ بيانِ عُتوِّهم وغُلوِّهم في المكابرةِ والعنادِ مع تعاضد موجبات الإيمان من جهتِه تعالى وأما نسبةُ كفرِهم إلى علمهِ تعالى وقضائِه فرُبَّما يتُوهَّم منها كونُهم معذورينَ فيه بحسبِ الظَّاهرِ لأنَّ ما أُشير إليهِ من التَّحقيقِ ممَّا خفيَ على مَهَرةِ العُلماء المُتقنين كأنَّه قيل إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً باهرةً موجبةً للإيمانِ وما أكثرُهم مُؤمنين مع ذلكَ لغايةِ تمادِيهم في الكُفرِ والضلالة وانهاكهم في المعنى والجَهَالةِ ونسبةُ عدمِ الإيمانِ إلى أكثرِهم لأنَّ منهم مَن سُيؤمن
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ الغالبُ على كلِّ ما يريده من الأمور التي من جملتها الانتقام من هؤلاء ﴿الرحيم﴾ المبالغ الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يؤاخذهم بغته بما احترؤا عليهِ من العظائمِ المُوجبةِ لفُنون العُقُوباتِ وفي التعرُّض لوصفِ الربوبيةِ مع الإضافةِ إلى ضميره ﷺ من تشريفهِ والعِدَةِ الخفيَّةِ بالانتقامِ من الكَفَرةِ ما لا يَخفْى
﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى﴾ كلامٌ مستأنفٌ مَسوقٌ لتقرير ما قبله من إعراضِهم عن كلِّ ما يأتيهم من الآيات التنَّزيليةِ وتكذيبِهم بها إثرَ بيانِ إعراضهم عمَّا يُشاهدونه من الآياتِ التَّكوينَّيةِ وإذ منصوب