سورة الشعراء (١٤ ١٨)
لا تختلَّ دعوتُه ولا تنقطعَ حجَّتُه وليس هذا من التَّعلل والتَّوقف في تلقِّي الأمرِ في شيءٍ وإنَّما هو استدعاءٌ لما يُعينه على الامتثالِ به وتمهيدُ عذرٍ فيه وقُرىء ويضيق ولا ينطق بالنَّصبِ عطفاً على يكذِّبون فيكونانِ من جملةً ما يَخافُ منه
﴿وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ﴾ أي تبعةُ ذنبٍ فحُذف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليه مقامه أو سمِّي باسمِه والمرادُ به قتلُ القِبْطيِّ وتسميتُه ذنباً بحسبِ زعمِهم كما ينبىءُ عنه قولُه لهم وهذا إشارةٌ إلى قصَّةٍ مبسوطةٍ في غيرِ موضعٍ ﴿فَأَخَافُ﴾ أي إنْ أتيتهم وحدي ﴿أَن يَقْتُلُونِ﴾ بمقابلتِه قبل أداءِ الرِّسالةِ كما ينبِغي وليس هذا أيضاً تعلُّلاً وإنما هو استدفاعٌ المبلية المتوقّعةِ قبل وقوعِها وقوله تعالى
﴿قال كلا فاذهبا بآياتنا﴾ حكايةٌ لإجابتِه تعالى إلى الطِّلبتينِ الدَّفعِ المفهومِ من الرَّدعِ عن الخوفِ وضمِّ أخيهِ المفهومِ من توجيهِ الخطابِ إليهما بطريقِ التَّغليبِ فإنه معطوف على مضمر ينبىءُ عنه الرَّدعُ كأنَّه قيل ارتدِع يا موسى عمَّا تظنُّ فاذهب أنت ومن استدعيته وفي قوله بآياتنا رمزٌ إلى أنَّها تدفع ما يخافه وقوله تعالى ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ﴾ تعليلٌ للرَّدعِ عن الخوفِ ومزيد تسلية لهما بضمانِ كمال الحفظ والنصرة كقولِه تعالى إِنَّنِى مَعَكُمَا أسمع وأرى حيث كان الموعد بمحضرٍ من فرعونَ اعتبر ههنا في المعيَّةِ وقيل أجريا مجرى الجماعةِ ويأباهُ ما قبله وما بعده من ضمير التثنية أي سامعون ما يجري بينكما وبينه فنظهر كما عليه مثَّل حالَه تعالى بحالِ ذِي شَوكةٍ قد حضَر مجادلَة قومٍ يستمعُ ما يجري بينَهم ليمدَّ أولياءَهُ ويُظهرهم على أعدائِهم مبالغةً في الوعدِ بالإعانةِ أو استعير الاستماع الذي هو بمعنى الإصغاءِ للسَّمعِ الذي هو العلمُ بالحروفِ والأصواتِ وهو خبرٌ ثانٍ أو خبرُ وحدَهُ ومعكم ظرفُ لغوٍ والفاءُ في قوله تعالى
﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين﴾ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلَها من الوعدِ الكريمِ وليس هَذا مجرَّدَ تأكيدٍ للأمرِ بالذِّهابِ لأنَّ معناهُ الوصولُ إلى المأتيِّ لا مجرَّدَ التَّوجهِ إليه كالذِّهابِ وإفراد الرَّسول إمَّا باعتبارِ رسالةِ كلَ منهُمَا أو لاتحاد مطلهما اولأنه مصدرٌ وُصفَ به وأنْ في قولِه تعالَى
﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل﴾ مفسِّرةٌ لتضمن الإرسالِ المفهومِ من الرَّسولِ معنى القولِ ومعنى إرسالِهم تخليتُهم وشأنَهم ليذهبُوا معهما إلى الشَّامِ
﴿قَالَ﴾ أي فرعونُ لموسى عليه السلام بعد ما أتياهُ وقالا له ما أمر به يُروى أنَّهما انطلقا إلى بابِ فرعونَ فلم يؤذن لهم سنةً حتَّى قال البَّوابُ إنَّ ههنا إنساناً يزعمُ أنَّه رسولُ ربِّ العالمين فقال ائذنْ له لعلَّنا نضحكُ فأدَّيا إليه الرِّسالةَ فعرف


الصفحة التالية
Icon