سورة الشعراء (٦٩ ٧٢)
دلَّتْ على تابوتِ يوسفَ عليه السَّلامُ وبنُو إسرائيلَ بعد ما نجَوا سألُوا بقرةً يعبدونَها واتَّخذوا العجلَ وقالُوا لن نؤمنَ لك حتى نرى الله جهرة فبمزل من التَّحقيقِ كيف لا ومساقُ كل قصَّةٍ من القصص الواردةِ في السُّورة الكريمة سوى قصَّةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ إنَّما هو لبيان حال طائفة معيَّنةٍ قد عتَوا عن أمر ربَّهم وعصَوا رسلَه عليهم الصلاة والسلام كما بفصح عنه تصدير القصصِ بتكذيبهم المرسلينَ بعد ما شاهدُوا بأيديهم من الآياتِ العظامِ ما يُوجب عليهم الإيمان ويزجرُهم عن الكفرِ والعصيانِ وأصرُّوا على ما هم عليه من التَّكذيب فعاقبهم الله تعالى لذلك بالعُقوبة الدُّنيويَّةِ وقطع دابَرهم بالكُليَّة فكيف يُمكن أن يخبرَ عنهم بعدم إيمان أكثرهم لا سيما بعد الإخبار بإهلاكهم وعدّ المؤمنين من جُملتهم أولاً وإخراجهم منها آخِراً مع عدم مشاركتِهم لهم في شيء ما حكي عنهم من الجنايات أصلاً مَّما يُوجب تنزيهُ التنزيلِ عن أمثالِه فتدبَّر
﴿واتل عَلَيْهِمْ﴾ عطفٌ على المضمرِ المقدَّر عاملاً لإذ نادى الخ أي واتل على المشركينَ ﴿نَبَأَ إبراهيم﴾ أي خبَره العظيمَ الشَّأنِ حسبما أُوحيَ إليك لتقف على ما ذكر م عدمِ إيمانِهم بما يأتيهم من الآيات بأحد الطَّريقين
﴿إِذْ قَالَ﴾ منصوب إما على الظَّرفيةِ للنبأ أي نبأه وقت قوله ﴿لاِبِيهِ وقومه﴾ أو على المفعولية لاتلُ على أنَّه بدلٌ من نبأ أي واتلُ عليهم وقت قوله لهم ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ على أنَّ المتلو ما قاله لهم في ذلك الوقتِ سألهم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن ذلك ليبني على جوابِهم أنَّ ما يعبدونه بمعزل من استحقاقِ العبادةِ بالكُلِّية
﴿قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين﴾ لم يقتصرُوا على الجواب الكافي بأنْ يقولُوا أصناماً كما في قوله تعالى ويسألونك مَاذا يُنْفِقُونَ قُل العفو وقوله تعالى مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق ونظائرهما بل أطنبُوا فيه بإظهار الفعلِ وعطفُ دوامِ عكوفهم على أصنامِهم قصداً إلى إبرازِ ما في نفوسِهم الخبيثةِ من الابتهاجِ والافتخارِ بذلك والمرادُ بالظلول الدَّوامُ وقيل كانُوا يعبدونَها بالنَّهارِ دُون اللَّيلِ وصلة العكوف كلمةُ عَلَى وإيرادُ اللاَّمِ لإفادةِ معنى زائدٍ كأنَّهم قالوا فنظلُّ لأجلِها مُقبلين على عبادتها أو مستدبرين حولَها وهذا أيضاً من جملة إطباعهم
﴿قال﴾ استئناف مبني على سؤالِ نشأ من تفصيلِ جوابهم ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾ أي هل يسمعُون دعاءَكم على حذف المضافِ أو يسمعونكم تدعُون كقولك سمعتُ زَيْداً يقول كيتَ وكيتَ فخذف لدلالةِ قوله تعالى ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾ عليه وقُرىء هل يُسمعونكم من الإسماع أي هل يُسمعونكم شَيْئاً من الأشياءِ أو الجواب عن دعائكم وهل يقدِرون على ذلك وصيغة المضارع مع إذ على حكايةِ الحالِ


الصفحة التالية
Icon