سورة النمل (٣٨ ٤٠) للكلِّ أي ارجعْ أَيُّها الرَّسُولُ ﴿إِلَيْهِمُ﴾ أي إلى بلقيس وقومها فليأتينهم أي فوالله لنأتينَّهم ﴿بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ أي لا طاقةَ لَهمُ بمقاومتِها ولا قدرةَ لهم على مقابلتها وقرئ بهم ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم﴾ عطفٌ على جوابِ القسمِ ﴿مِنْهَا﴾ من سبأٍ ﴿أَذِلَّةٍ﴾ أي حالَ كونهم أذلة بعدما كانُوا فيه من العزِّ والتمكينِ وفي جمعِ القِلَّةِ تأكيدٌ لذِلَّتِهم وقولُه تعالى ﴿وَهُمْ صاغرون﴾ أي أُسارَى مُهَانون حالٌ أخرى مفيدةٌ لكونِ إخراجِهم بطريقِ الأسرِ لا بطريقِ الإجلاءِ وعدمُ وقوعِ جوابِ القسمِ لأنَّه كانَ معلَّقاً بشرطٍ قد حُذفَ عندَ الحكايةِ ثقةٍ بدلالةِ الحالِ عليهِ كأنَّه قيلَ ارجعْ إليهم فليأتُوا مسلمينَ وإلا فلنأتينَّهم الخ
﴿قال يا أيها الملا أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا﴾ قالَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لما دَنا مجيءُ بلقيسَ إليه عليه الصلاة والسلام يُروى أنَّه لمَّا رجعتْ رسلُها إليها بما حُكي من خبرِ سُليمانَ عليه السَّلام قالتْ قد علمتُ والله ما هذا بملكٍ ولا لبابه من طاقةٌ وبعثتْ إلى سليمانَ عليه السَّلام إنِّي قادمةٌ إليكَ بملوكِ قَوْمي حتى أنظرَ ما أمرُك وما تدعُو إليهِ من دينِك ثمَّ آذنتْ بالرَّحيلِ إلى سليمانَ عليه السلام فشخصتْ إليه في اثني عشر ألف قيل تحتَ كلِّ قَيْلٍ ألوفٌ ويُروى أنَّها أمرتْ فجُعِلَ عرشُها في آخرِ سبعةِ أبياتٍ بعضُها في بعضٍ في آخرِ قصرٍ من قصورٍ سبعةٍ لها وغلَّقتِ الأبوابَ ووكَّلتْ به حَرَساً يحفظونَهُ ولعَلَّه أُوحيَ إلى سليمانَ عليه السلام باستيثاقِها من عرشِها فأرادَ أنْ يُريها بعضَ ما خصَّه الله عزَّ سلطانُه به من إجراءِ التعاجيبِ على يدهِ مع إطلاعِها على عظيم قدرتِه تعالى وصحة نبوتِه عليه الصلاةُ والسَّلامُ ويختبرَ عقلَها بأنْ يُنكِّرَ عرشَها فينظرَ أتعرفُه أم لا وتقييدُ الإتيانِ به بقولِه تعالى ﴿قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ﴾ لمَا أنَّ ذلكَ أبدعُ وأغربُ وأبعدُ من الوقوعِ عادةً وأدل على عظيم قدرة الله تعالى وصحَّةِ نبُّوتِه عليه الصَّلاة والسَّلام وليكونَ اختبارُها وإطلاعُها على بدائعِ المعجزاتِ في أولِ مجيئِها وقيلَ لأنَّها إذَا أتتْ مُسلمةً لم يحلَّ له أخذُ ما لها بغيرِ رِضَاها
﴿قَالَ عِفْرِيتٌ﴾ أي ماردٌ خبيثٌ ﴿مّن الجن﴾ بيانٌ له إذْ يقالُ للرجلِ الخبيثِ المنكرِ المعفرِ لأقرانِه وكان اسمُه ذكوانَ أو صخرا ﴿أنا آتيك بِهِ﴾ أي بعرشِها ﴿قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ أي من مجلِسك للحكومةِ وكان يجلسُ إلى نصفِ النَّهار وآتيكَ إمَّا صيغةُ المضارعِ أو الفاعلِ وهو الأنسبُ لمقامِ ادِّعاءِ الإتيانِ به لا محالةَ وأوفقُ لما عُطفَ عليه من الجملةِ الاسميةِ أي أنا آتٍ به في تلك المُدَّةِ البتةَ ﴿وَإِنّى عَلَيْهِ﴾ أي على الإتيانِ به ﴿لَقَوِىٌّ﴾ لا يثقلُ عليَّ حملُه ﴿أَمِينٌ﴾ لا أختزلُ منه شيئاً ولا أُبدِّلُه
﴿قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب﴾ فُصلَ عمَّا قبلَه للإيذانِ بما بينَ القائلينِ ومقاليهما