سورة النمل (٤٧ ٤٩) الصَّلاة والسَّلام للفريقِ الكافرِ منهم بعدَ ما شاهدَ منهم ما شاهدَ من نهايةِ العتوِّ والعنادِ حتَّى بلغُوا من المُكابرةِ إلى أنْ قالُوا له عليه الصَّلاة والسَّلام يا صالحُ ائتِنا بما تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين ﴿يا قوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة﴾ أي بالعقوبةِ السيئةِ ﴿قَبْلَ الحسنة﴾ أي التوبةِ فتؤخرونَها إلى حينِ نزولِها حيثُ كانُوا من جهلِهم وغوايتِهم يقولونَ إنْ وقعَ إيعادُه تُبنَا حينئذٍ وإلاَّ فنحنُ على ما كناعليه ﴿لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله﴾ هلاَّ تسغفرونه تعالَى قبل نزولِها ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بقبولها إذ لا إمكانَ للقبولِ عندَ النُّزولِ
﴿قَالُواْ اطيرنا﴾ أصلُه تطَّيرنَا والتَّطيرُ التشاؤمُ عُبِّر عنه بذلك لما أنَّهم كانُوا إذا خرجُوا مسافرينَ فيمرّون بطائرٍ يزجرونَه فإنْ مرَّ سانحاً تيمَّنوا وإنْ مرَّ بارحاً تشاءمُوا فلما نسبُوا الخيرَ والشرَّ إلى الطائرِ استُعير لما كانَ سبباً لهما من قدرِ الله تعالى وقسمتِه أو من عمل العبدِ أي تشاءمنا ﴿بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾ في دينك حيث تتابعت علينا الشدائدُ وقد كانُوا قحطوا أو لم نزل في اختلافٍ وافتراقٍ مُذ اخترعتُم دينَكُم ﴿قَالَ طَائِرُكُمْ﴾ أي سببُكم الذي منْهُ ينالُكم ما ينالُكم من الشرِّ ﴿عَندَ الله﴾ وهو قدرُه أو عملُكم المكتوبُ عندَهُ وقولُه تعالى ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ أي تُختبرون بتعاقبِ السرَّاءِ والضرَّاءِ أو تعذبون أو بفتنكم الشيطانُ بوسوستِه إليكم الطيرةَ إضرابٌ من بيانِ طائرِهم الذي هو مبدأُ ما يحيقُ بهم إلى ذكِر ما هو الدَّاعي إليهِ
﴿وَكَانَ فِى المدينة﴾ وهي الحِجْرُ ﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ أي أشخاصٍ وبهذا الاعتبارِ وقعَ تمييزاً للتسعةِ لا باعتبارِ لفظِه والفرقُ بينه وبينَ النَّفرِ أنَّه من الثلاثةِ أو من السبعةِ إلى العشرةِ والنَّفرُ من الثلاثةِ إلى التسعةِ وأسماؤهم حسبَما نُقل عن وهبٍ الهذيلُ بنُ عبدِ ربَ وغُنم بنُ غنمٍ ورئابُ بنُ مهرجٍ ومصدعُ بنُ مهرجٍ وعميرُ بنُ كردبةَ وعاصمُ بنُ مخرمةَ وسبيطُ بنُ صدقةَ وشمعانُ بنُ صفي وقُدارُ بن سالف وهم الذين سَعَوا في عَقْرِ النَّاقةِ وكانُوا عتاةَ قومِ صالحٍ وكانُوا من أبناءِ أشرافِهم ﴿يُفْسِدُونَ فِى الأرض﴾ لا في المدينةِ فقط إفساداً بحتاً لا يُخالطُه شيءٌ ما من الإصلاحِ كما ينطق به قوله تعالى ﴿وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ أي لا يفعلون شيئا من الإصلاحِ أو لا يصلحون شيئاً من الأشياءِ
﴿قالوا﴾ اسئناف ببيانِ بعضِ ما فعلُوا من الفسادِ أي قالَ بعضُهم لبعضٍ في أثناءِ المُشاورةِ في أمرِ صالحٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ ذلَك غِبَّ ما أنذرَهُمْ بالعذب وقولِه تمتعُوا في دارِكم ثلاثةَ أيامٍ الخ ﴿تَقَاسَمُواْ بالله﴾ إمَّا أمرٌ مقولٌ لقالُوا أو ماضٍ وقعَ بدلاً منه أو حالاً من فاعلِه بإضمارِ قدْ وقولُه تعالى ﴿لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ أي لنباغتنَّ صالحاً وأهلَه ليلا ونقتلنهم وقرئ بالتَّاءِ على خطابِ بعضِهم لبعض وقرئ بياءِ الغَيبةِ وضمِّ التَّاءِ على أنَّ تقاسمُوا فعلٌ ماضٍ ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ﴾ أي لولي صالح وقرئ بالتَّاءِ والياءِ كما قبلَه ﴿مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾ أي ما حضرنَا هلاكَهم أو وقت هلاكَهم أو مكانَ هلاكِهم فضلاً أنْ نتولَّى إهلاكَهم وقرئ مهلَك بفتحِ اللامِ فيكونَ مصدراً ﴿وِإِنَّا لصادقون﴾ من تمامِ القولِ أو حالٌ أي نقول


الصفحة التالية
Icon