فاطر ٣٠ ٣٢ صارتْ سمةً لهم وعُنواناً والمرادُ بكتابِ الله تعالى القُرآنُ وقيلَ جنسُ كتبِ الله فيكون ثناءً على المصدِّقين من الأممِ بعد اقتصاصِ حالِ المكذِّبين منهم وليسَ بذاك فإنَّ صيغةَ المضارعِ مناديةٌ باستمرارِ مشروعيةِ تلاوتِه والعملِ بما فيه واستتباعِهما لما سيأتي من توفيةِ الأجورِ وزيادةِ الفضلِ وحملُها على حكايةِ الحالِ الماضيةِ مع كونِه تعسُّفاً ظاهرا مما لا سبيل إليه كيفَ لا والمقصودُ الترغيبُ في دينِ الإسلامِ والعملُ بالقُرآن النَّاسخِ لما بين يديهِ من الكتبِ فالتَّعرضُ لبيان حقيقتها قبل انتساخِها والإشباعُ في ذكرِ استتباعها لما ذُكر من الفوائدِ العظيمةِ مَّما يُورث الرَّغبةَ في تلاوتِها والإقبالِ على العملِ بها وتخصيصُ التِّلاوةِ بما لم ينسخ منها باطلٌ قطعاً لما أنَّ الباقي مشروعاً ليس إلا حكمها لكنْ لا من حيث أنه حكَّمها بل من حيثُ انه حكّم القرآنَ وأما تلاوتُها فبمعزلٍ من المشروعيَّةِ واستتباع الأجر بالمرَّة فتدبر ﴿وَأَقَامُواْ الصلاة وأنفقوا من ما رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيةً﴾ كيفما اتَّفق من غيرِ قصدٍ إليهما وقيل السِّرُّ في المسنونةِ والعلانيةُ في المفروضةِ ﴿يَرْجُونَ تجارة﴾ تحصيلَ ثوابٍ الطاعة وهو خبرُ إنَّ وقوله تعالى ﴿لَّن تَبُورَ﴾ أي لن تكسد ولن تهك بالخسرانِ أصلاً صفةٌ لتجارةَ جيء بها للدِّلالةِ على أنَّها ليستْ كسائرِ التِّجاراتِ الدَّائرةِ بين الرِّبحِ والخُسرانِ لأنَّه اشتراءُ باقٍ بفانٍ والإخبارُ برجائِهم من أكرمِ الأكرمينَ عِدَةٌ قطعيةٌ بحصولِ مرجوِّهم وقولُه تعالى
﴿لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ﴾ متعلقٌ بلَنْ تبورَ على معنى أنَّه ينتفي عنها الكسادُ وتنفُق عند الله تعالى ليوفيَهم أجورَ أعمالِهم ﴿وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ﴾ على ذلك من خزائنِ رحمتِه ما يشاءُ وقيل بمضمرٍ دلَّ عليه ما عُدَّ من أفعالهم المرضيَّةِ أي فعلُوا ذلك ليوفيَهم إلخ وقيل بيرجُون على أن اللامَ للعاقبةِ ﴿إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ تعليلٌ لما قبلَه من التَّوفيةِ والزِّيادةِ أي غفورٌ لفرطاتِهم شكورٌ لطاعاتِهم أي مجازيهم عليها وقيل هُو خبرُ إنَّ الذينَ ويرجُون حالٌ من واوِ أنفقُوا
﴿والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب﴾ وهو القرآنُ ومِن للتَّبيين أو الجنسِ ومن للتَّبعيضِ وقيل اللَّوحَ ومِن للابتداءِ ﴿هُوَ الحق مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي أُحِقُّه مصدِّقاً لّمَا تقدَّمه من الكتبِ السَّماويةِ حالٌ مؤكِّدة لأنَّ حقِّيتَه تستلزمُ موافقتَه إيَّاهُ في العقائدِ وأصولِ الأحكامِ ﴿إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ محيطٌ ببواطنِ أمورِهم وظواهرِها فلو كانَ في أحوالِك ما ينافي النُّبوة لم يُوحِ إليك مثلُ هذا الحقَّ المعجزِ الذي هو عيارٌ على سائرِ الكتبِ وتقديمُ الخبيرِ للتَّنبيه على أنَّ العمدةَ هي الأمورُ الرُّوحانيَّةُ
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب﴾ أي قضينا بتوريثةِ منك أو نورِّثه والتَّعبيرُ عنه بالماضِي لتقرره


الصفحة التالية
Icon