العنكبوت ٤ ٦ على رأسه فيفرق فرقتينِ ما يصرفُه ذلك عن دينِه ويمشَّط بأمشاطِ الحديدِ ما دون عظمِه من لحمٍ وعصبٍ ما يصرفه ذلك عن دينه ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُوا﴾ أي في قولِهم آمنا ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين﴾ في ذلك والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما يُفصح عنه ما قبلَها من وقوع الامتحانِ واللامُ جوابُ القَسَمِ والالتفاتُ إلى الإسم الجليل لإدخال الروعةِ وتربيةِ المهابةِ وتكريرُ الجواب لزيادة التَّأكيدِ والتقرير أي فو الله ليتعلقن علمُه بالامتحان تعلُّقاً حالياً يتميزُ به الذين صدقُوا في الإيمان الذي أظهروه والذين هم كاذبونَ فيه مستمرَون على الكذب ويترتبُ عليه أجزيتُهم من الثَّواب والعقابِ ولذلك قيل المعنى ليميزن أو ليجازين وقُرىء وليُعلمنَّ من الإعلامِ أي وليعرِّفنَّهم النَّاسَ أو ليسمنّهم بسِمة يُعرفون بها يومَ القيامة كبياضِ الوجوه وسوادِها
﴿أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا﴾ أي يفوتُونا فلا نقدرَ على مجازاتهم بمساوى أعمالهم وهو ساد مفعولى حسب لا شتماله على مُسندٍ ومُسندٍ إليهِ وأمْ منقطعةٌ وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقالِ عن التَّوبيخ بإنكارِ حسبانهم متروكين غير مفتُونين إلى التَّوبيخ بإنكارِ ما هو أبطلُ من الحسبان الاول وهو حسبانُهم أنْ لا يجازُوا بسيئاتهم وهم وإنْ لم يحسبوا أنَّهم يفوتونَهُ تعالى ولم يحدِّثوا نفوسَهم بذلك لكنهم حيثُ أصرُّوا على المعاصي ولم يتفكَّروا في العاقبةِ نزلوا منزلة من يطمع في ذلك كما في قوله تعالى يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي بئسَ الذي يحكمونَهُ حكمُهم ذلك أو بئس حكما يحكمونه حكمُهم ذلك
﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله﴾ أي يتوقَّعُ مُلاقاةَ جزائه ثوابا أو عِقاباً أو مُلاقاةُ حُكمِه يومَ القيامةِ وقيل يرجُو لقاء الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة وقيل يرجُو ثوابَه وقيل يخافُ عقابَه وقيل لقاؤه تعالى عبارةٌ عن الوصول إلى العاقبةِ من تلقِّي مَلَكِ الموتِ والبعثِ والحسابِ والجزاءِ على تمثيلِ تلك الحالِ بحالِ عبدٍ قدِم على سيِّده بعد عهدٍ طويلٍ وقد عَلِم مولاهُ بجميعِ ما كان يأتِي ويذرُ فإمَّا أنْ يلقاه ببشرٍ وكرامةٍ لمَا رضي من أفعالِه أو بضدِّه لما سخَطَه ﴿فَإِنَّ أَجَلَ الله﴾ الأجل عبارةٌ عن غايةِ زمان ممتد عينت لأمرٍ من الأمورِ وقد يُطلق على كلِّ ذلكَ الزَّمانَ والأولُ هو الأشهرُ في الاستعمالِ أي فإنَّ الوقتَ الذي عيَّنه تعالى لذلكَ ﴿لأَتٍ﴾ لا محالة من غير صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لأنَّ أجزاءَ الزَّمانِ على التقضِّي والتَّصرُّم دائماً فلا بدَّ من إتيان ذلك الجزاءِ أيضاً البتةَ وإتيانُ وقتِه موجبٌ لإتيانِ اللِّقاءِ حتماً والجوابُ محذوفٌ أي فليخترْ من الأعمالِ ما يؤدي إلى حُسنِ الثَّوابِ وليحذرْ ما يسوقُه إلى سوءِ العذابِ كما في قوله تعالى ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا﴾ وفيه من الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى وقيل فليبادرْ الى ما يحقق أملَه ويصدِّق رجاءَهُ أو ما يُوجبُ القُربةَ والزُّلفى ﴿وَهُوَ السميع﴾ لأقوالِ العبادِ ﴿العليم﴾ بأحوالِهم من الأعمالِ الظَّاهرةِ والعقائدِ
﴿وَمَن جَاهَدَ﴾ في طاعةِ الله عزَّ وجلَّ ﴿فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ﴾ لعود منفعتِها


الصفحة التالية
Icon