أي في زُمرةِ الرَّاسخينَ في الصَّلاحَ والكمالُ في الصَّلاحِ مِنتهى درجاتِ المؤمنينَ وغايةُ مأمولِ أنبياءِ الله المُرسلين قال الله تعالى حكايةً عن سليمانَ عليه السَّلام وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين وقال في حقِّ إبراهيمَ عليه السَّلام وَإِنَّهُ فِى الأخرة لَمِنَ الصالحين أو في مدخلِ الصَّالحين وهو الجنَّة
﴿وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمنا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله﴾ أي في شأنِه تعالى بأنْ عذَّبهم الكفرةُ على الإيمان ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ الناس﴾ أي ما يصيبُه من أذيتَّهم ﴿كَعَذَابِ الله﴾ في الشدَّة والهولِ فيرتدَّ عن الدِّين مع أنَّه لا قدرَ لها عند نفحة من عذابه تعالى أصلاً ﴿وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ﴾ أي فتحٌ وغنيمةٌ ﴿لَّيَقُولَنَّ﴾ بضمِّ اللامِ نظراً إلى مَعْنى مَنْ كما أنَّ الإفرادَ فيما سبقَ بالنَّظرِ إلى لفظها وقرئ بالفتحِ ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ أي مشايعينَ لكم في الدين فأشر كونا في المغنمِ وهم ناسٌ من ضَعَفةِ المُسلمين كانُوا إذا مسَّهم أذى من الكفَّارِ وافقُوهم وكانُوا يكتمونَهُ من المسلمينَ فرُدّ عليهِم ذلكَ بقولِه تعالى ﴿أو ليس الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ العالمين﴾ أي بأعلم منهم بما في صدورهم من الإخلاصِ والنِّفاقِ حتَّى يفعلوا ما يفعلون من الارتدادِ والاخفاءِ عن المسلمين وإدِّعاءِ كونِهم منهم لنيلِ الغنيمةِ وهذا هو الأوفقُ لما سبقَ ولما لَحِقَ من قوله تعالى
﴿وليعلمن الله الذين آمنوا﴾ أي بالإخلاصِ ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين﴾ سواء كان كفرُهم بإذية الكفرة أولا أي ليجزينَّهم بما لهم من الإيمان والنِّفاقِ
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا﴾ بيانٌ لحملهم للمؤمنين على الكفر بالاستمالة بعد بيان حملِهم لهم عليه بالأذيَّةِ والوعيد وصفهم بالكفرِ هَهُنا دونَ ما سبق لما أنَّ مساقَ الكلامِ لبيان جناياتهم وفيما سبق لبيانِ جنايةِ من أضلُّوه واللامُ للتَّبليغِ أي قالُوا مخاطبينَ لهم ﴿اتبعوا سَبِيلَنَا﴾ أي اسلكُوا طريقتنا التي نسلكُها في الدِّينِ عبَّر عن ذلكَ بالاتباعِ الذي هو المشيُ خلفَ ماشٍ آخرَ تنزيلاً للمسلك منزلةَ السَّالكِ فيه أو اتبعونا في طريقتنا ﴿وَلْنَحْمِلْ خطاياكم﴾ أي إنْ كان ذلك خطيئةً يُؤاخذ عليها بالبعثِ كما تقُولونَ وإنَّما أَمروا أنفسَهم بالحمل عاطفين له على أمرِهم بالأتَّباعِ للمبالغة في تعليق الحملِ بالاتِّباع والوعدِ بتخفيفِ الأوزار عنهم إن كان ثمَةَ وزرٌ فرُد عليهم بقولِه تعالى ﴿وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَىْء﴾ وقُرىء من خطيآتِهم أي وما هم بحاملين شيئاً مِن خطاياهم التي التزمُوا أنْ يحملُوا كلَّها على أن مِن الأُولي للتبيين والثانية مزيدةٌ للاستغراق والجملةُ اعتراضٌ أو حالٌ ﴿إِنَّهُمْ لكاذبون﴾ حيث أخبروا في ضمنِ وعدِهم بالحمل بأنَّهم قادرون على انجاز ما وعدوا فإنَّ الكذبَ كما يتطَّرقُ إلى الكلامِ باعتبار


الصفحة التالية
Icon