٧٩ سورة النازعات (٢١ ٢٥)
إلى الحقيقةِ والمرادُ بالآية الكُبْرى قلبُ العصَا حيةً وهو قولُ ابن عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا فإنَّها كانتِ المقدمةَ والأصلَ والأُخْرَى كالتبع لها أوهما جَميعاً وهو قَولُ مجاهدٍ فإنَّهما كالآيةِ الواحدةِ وقدْ عبرَ عنهُمَا بصيغةِ الجمعِ حيثُ قالَ اذهب أَنتَ وأخوك بآياتي باعتبر ما في تضاعيفهما من بدائع الأمورِ التي كلٌّ منهَا آيةٌ بينةٌ لقومٍ يعقلون كما في سورة طه ولا مساغَ لحملها على مجموع معجزاتِه فإن ما عدا هاتين الآيتين من الآيات التسعِ إنما ظهرتْ على يدِه عليه الصلاةُ والسلامُ بعدَ مَا غلبَ السحرةَ على مهلٍ في نحوٍ من عشرينَ سنةً كما مرَّ في سورةِ الأعرافِ ولا ريب في أن هذا مطلعُ القصةِ وأمرُ السحرةِ مترقبٌ بعدُ
فَكَذَّبَ
بمُوسَى عليهِ السلامُ وسمي معجزاته سِحْراً
وعصى
الله عزَّ وجلَّ بالتمردِ بعدَ ما علَم صحةَ الأمرِ ووجوبَ الطاعةِ أشدَّ عصيانٍ وأقبحَهُ حيثُ اجترأَ على إنكارِ وجودِ ربِّ العالمينَ رَأْساً وكان اللعينُ وقومُه مأمورينَ بعبادتِه عزَّ وجلَّ وتركِ العظيمةِ التي كانَ يدَّعِيها الطاغيةُ ويقبلُها منهُ فئتُه الباغيةُ لا بإرسالِ بني إسرائيلَ من الأسرِ والقَسْرِ فقطْ
ثُمَّ أَدْبَرَ
أي تولَّى عن الطاعةِ أو انصرفَ عنِ المجلسِ
يسعى
أي يجتهدُ في معارضةِ الآيةِ أو أُريدَ ثم أقبلَ أي أنشأَ يسعَى فوضَع موضعَهُ أدبرَ تحاشياً عن وصفِه بالإقبالِ وقيلَ أدبرَ هارباً من الثعبانِ فإنَّه روي أنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ لَمَّا ألقَى العَصَا انقلبتْ ثُعباناً أشعَرَ فاغراً فاهُ بين لَحْيَيهِ ثمانونَ ذراعاً وَضع لَحيَه الأسفلَ عَلى الأرضِ والأَعْلى على سُورِ القصرِ فتوجَّهَ نحوَ فرعونَ فهربَ وأحدثَ وانهزم الناس مردحمون فماتَ منهُم خمسةٌ وعشرونَ ألفاً من قومِه وقيلَ إنها حينَ انقلبتْ حيةً ارتفعتْ في السماءِ قدرَ ميلٍ ثمَّ انحطتْ مُقبلةً نحوَ فرعونٍ وجعلتْ تقولُ يا مُوسَى مُرْني بما شئتَ ويقولُ فرعونُ أنشدكَ بالذي أرسلكَ إلا أخذتَه فأخذَهُ فعادَ عصا ويأباهُ أنَّ ذلكَ كانَ قبلَ الإصرار على التكذيبِ والعصيانِ والتصدِّي للمعارضة كما يعربُ عنه قولُه تعالَى
فَحَشَرَ
أي فجمعَ السحرةَ لقولِه فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى المدائن حاشرين وقوله تعالى فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي ما يُكادُ به من السحرة وآلاتِهم وقيلَ جنودُه ويجوزُ أنْ يرادَ جميعُ الناسِ
فنادى
في المجمع بنفسه أو بواسطة المُنادِي
فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى
قيلَ قامَ فيهم خطيباً فقال تلكَ العظيمةَ
فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الأخرة والأولى
النكالُ بمَعْنى التنكيلِ كالسلامِ بمعنى التسليمِ وهو التعذيبُ الذي ينكلُ منْ