قوله تعالى: حاشَ لِلَّهِ «١». يقرأ بإثبات الألف في آخره وصلا ووقفا، وبحذفها في الوجهين معا. فالحجة لمن أثبتها: أنه أخذه من قولك: حاشى يحاشي. والحجة لمن حذف أنه اكتفى بالفتحة من الألف فحذفها، واتّبع فيها خط السواد.
ومعناها هاهنا: معاذ الله. وهي عند النحويين بمعنى: أستثني. واستشهدوا بقول النابغة: «٢» * وما أحاشي من الأقوام من أحد «٣» * قوله تعالى: دَأَباً «٤». يقرأ بإسكان الهمزة وفتحها. فالحجة لمن أسكن: أنه أراد المصدر. والحجة لمن فتح: أنه أراد الاسم. ويجوز أن يكون أصله الفتح، فأسكن تخفيفا.
والعرب تستعمل ذلك فيما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق مثل (النّهر) و (المعز).
والدّأب معناه: المداومة على الشيء وملازمته، والعادة. قال الكميت: «٥»
هل تبلغنيكم المذكّرة ال... وجناء والسّير مني الدّأب
«٦»
(٢) سبقت ترجمته ١٦٤.
(٣) قال البغدادي في الخزانة:
هذا عجز وصدره:... ولا أرى فاعلا فى الناس يشبهه..
وقال في المفصّل: استشهد بهذا البيت لمذهب المبرد. من أن حاشا كما تكون حرفا تكون فعلا بدليل تصرّفها في مثل هذا البيت. وقال ابن الأنباري في الإنصاف: ولا أحاشي: أراد: لا أستثني أحدا ممّن يفعل الخير، و (من) زائدة، (وأحد) بعدها مفعول به لأحاشي. والاستشهاد بهذا البيت في قوله: ولا أحاشي: فإن هذا فعل مضارع بمعنى استثني، وقد جاء في كلام العرب المحتج بكلامهم.
انظر في ذلك: (الخزانة ٢: ٤٤، شرح المفصل لابن يعيش ٢: ٨٥، الإنصاف لابن الأنباري ١: ٢٧٨.
والدرر اللوامع ١: ١٩٨).
(٤) يوسف: ٤٧.
(٥) الكميت: هو الكميت بن زيد بن خنيس بن مخالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع، شاعر متقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها من شعراء مضر وألسنتها. وكان معروفا بالتشيّع لبني هاشم، مشهورا بذلك، وقصائده (الهاشميات) من جيد شعره ومختاره، وكان في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية، ومات قبلها.
انظر: الأغاني ١٥: ١٠٨ وما بعدها.
(٦) المذكرة: الناقة التي تشبه الفحل في الخلق والخلق.
الوجناء: الشديدة، الدأب: الجد.
والبيت من قصيدة طويلة من بحر (المنسرح) أولها: