قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «١». يقرأ بالكسر منوّنا وغير منوّن، وبالفتح من غير تنوين. فالحجة لمن نوّن: أنه أراد بذلك: الإخبار عن (نكر) «٢» معناه: فلا تقل لهما القبيح. والحجة لمن كسر ولم ينون: أنه أراد: إسكان الفاء فكسر لالتقاء الساكنين «٣».
وفيها سبع لغات: الفتح والتنوين، والكسر والتنوين، والضم والتنوين، وأفّى على وزن فعلى. وزاد (ابن الأنباري) «٤»: «أف» بتخفيف الفاء وبإسكانها.
وهي: كلمة تقال عند الضجر. ولو علم الله تعالى أوجز منها في ترك العقوق لأتى بها. ومعناها: كناية عن كل قبيح.
فإن قيل فلم جاز إجراء الفاء في «أف» لجميع الحركات؟ فقل: لأن حركتها ليست بحركة إعراب إنما هي لالتقاء الساكنين، فأجروها مجرى ما انضم أوله من الأفعال عند الأمر بها، وإدغام آخرها كما قال:
فغضّ الطّرف إنك من نمير | فلا كعبا بلغت ولا كلابا |
فإن قيل: أفيجوز مثل ذلك في (ربّ)، وثم؟ فقل: لا، لأن هذين حرفان وحقّ الحروف البناء على السكون، فلمّا التقى في أواخرها ساكنان حرّكت بأخفّ الحركات، واتسع في «أف» لأنها لمنهى عنه، كما وقعت (إيه) لمأمور به، كما اتسعوا في حركات أواخر الأفعال عند الأمر والنهي.
وقال في الجمهرة: أمر القوم إذا كثروا. انظر: (كتاب جمهرة اللغة ٣: ٢٥٣).
(١) الإسراء: ٢٣.
(٢) النكر: المنكر، قال الله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً. وفي الأصل: نكرة، ولا معنى لها في سياق الأسلوب.
(٣) لأن الفاء المشددة حرفان.
(٤) ابن الأنباري: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا له، وتوفي أبو بكر بن الأنباري سنة سبع وعشرين وثلاثمائة يوم الأضحى، إنباه الرواة ٣ - ٢٠١، نزهة الألباء ١٨٥.
(٥) انظر: (بديع القرآن لابن أبي الأصبع ٢٩٢، ديوان جرير ٧٥، مطبعة الصاوي، والدرر اللوامع ٢: ٢٤٠، وشرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاسترابادي ٤: ١٦٣. والكتاب ٢: ١٦٠). وهذا البيت من قصيدة لجرير، المعروفة بالدامغة، هجا بها الرّاعي النّميري وقومه.