فإن قيل: ما معنى قوله: أو مثلها؟ فقل: المماثلة: موافقة الشيء من وجه من الوجوه، ولو ماثله من جميع وجوهه لكان هو، ولم يكن له مثلا. والمعنى هاهنا: أنها قرآن مثلها، وهي في المعنى غيرها، لأن هذه آية رحمة، وهذه آية عذاب.
قوله تعالى: وَلا تُسْئَلُ «١» يقرأ بالرفع والجزم. فالحجة لمن رفع: أنه أخبر بذلك وجعل «لا» نافية بمعنى ليس، ودليله قراءة (عبد الله) «٢» و (أبيّ) «٣»: (ولن تسأل).
والحجة لمن جزم: أنه جعله نهيا. ودليله: ما روى أن النبي ﷺ قال يوما:
«ليت شعري ما فعل أبواي» «٤»؟ فأنزل الله تعالى: «وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ» فإنا لا نؤاخذك بهم،. والزم دينك.
فأمّا من ضمّ التاء فإنه جعله فعل، ما لم يسم فاعله. ومن فتحها جعلها فعل فاعل.
قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى «٥». يقرأ بكسر الخاء وفتحها.
فالحجة لمن كسر: أنهم أمروا بذلك. ودليله قول (عمر) «٦»: «أفلا نتخذه مصلى؟»، فأنزل الله ذلك موافقا به قوله. والحجة لمن فتح: أن الله تعالى، أخبر عنهم بذلك بعد أن فعلوه.
فإن قيل،: فإن الأمر ضد الماضي، وكيف جاء القرآن، بالشيء وضده؟ فقل: إن الله تعالى أمرهم بذلك مبتدئا، ففعلوا ما أمروا به، فأثنى بذلك عليهم وأخبر به، وأنزله في العرضة الثانية.
قوله تعالى: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا «٧». يقرأ بتشديد التاء، وتخفيفها «٨». فالحجة لمن شدد:

(١) البقرة: ١١٩.
(٢) عبد الله بن مسعود. انظر: ٤٩.
(٣) أبيّ: هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري البخاري، أبو المنذر وأبو الطفيل، سيّد القراء، كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليهنئك العلم أبا المنذر. مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، وهو أثبت الأقاويل. انظر: (الإصابة في تمييز الصحابة ١: ١٦) مطبعة السعادة.
(٤) انظر: (ابن كثير ١: ١٦٢)، (القرطبي ٢: ٨٤)، (وصحيح مسلم ٣: ٧٩). (وسنن أبي داود ٩: ٩٧).
(٥) البقرة: ١٢٥.
(٦) عمر بن الخطاب: انظر: ترجمته في: أسد الغابة: ٥٢، وغيره من كتب الطّبقات.
(٧) البقرة: ١٢٦.
(٨) قراءة ابن عامر: (الحجة لأبي علي الفارسي: ٢ لوحة: ٣٣٧).


الصفحة التالية
Icon