وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى﴾.
كل ذلك ليصرف، تعالى، خوف الخلق ورجاءهم عن الأفلاك والنجوم المسخرة، إلى المسخر القاهر فوق عباده. الذي استوى على جميعها.
فهذا وجه من وقوع الصابئة في الذين آمنوا والذين أسلموا في هذه الأمة.
وأما وجه وقوع ما غلب على هذه الأمة: وكثر فيها، وفشا في أعمالها وأحوالها، من تمادي طوائف منهم على نظير ما كان عليه اليهود والنصارى في اختلافهم، وغلبة أحوال ملوكهم وسلاطينهم، على أحوال أنبيائهم وعلمائهم وأوليائهم، فهو الذي حذرته هذه الأمة، وأشعر أولو الفهم بوقوعه منهم، بنحو ما في مضمون قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ وما أنبأ به، - ﷺ - في قوله "لتتعبن سنن من كان قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم" وفي بعض طرقه: "حتى لو كان فيهم من أتى أمه جهارا لكان فيكم ذلك. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ "
وإنما قوى وكثر في هذه الأمة حال هاتين الملتين، لما أتاهما الله من الكتاب والعلم والحكمة، فاختلفوا فيها بالأغراض والأهواء، وإيثار عرض الدنيا، وسامحوا الملوك والولاة، وحللوا لهم ما حرم الله، وحرموا لهم ما حلل الله، وتوصلوا بهم إلى أغراضهم في الإعتداء على من حسدوه من أهل الصدق والتقوى، وكثر البغي بينهم، فاستقر حالهم على مثل حالهم، وسلطت عليهم عقوبات مثل عقوبتهم، وتمادى ذلك فيهم، منذ تبدلت الخلافة