ملكا، إلى أن تضع الحرب أوزارها، وتصير الملل كلها ملة واحدة، ويرجع الافتراق إلى ألفة التوحيد.
فكل من اقتطع واقتصر من هذه الشريعة المحمدية الجامعة للظاهر والباطن حظا مختصا من ظاهر أو باطن، ولم يجمع بينهما في عمله وحاله وعرفانه، فهو، بما لزم الظاهر الشرعي، دون حقيقة باطنه، من يهود هذه الأمة، كالمقيمين لظاهر الأحوال الظاهرة، التي بها تستمر الدنيا على حسب ما يرضي ملوك الوقت وسلاطينهم، المضيعين لأعمال السرائر، المنكرين لأحوال أهل الحقائق، الشاهد عليهم تعلق خوفهم ورجائهم بأهل الدنيا، المؤثرين لعرض هذا الأدنى.
فبهذا ظهرت أحوال اليهود في هذه الأمة، مر الأعراب مع النبي، - ﷺ -، بسدرة خضراء نضرة، وكان لأهل الجاهلية سدرة يعظمونها، ويجتمعون عندها، وينيطون بها أسلحتهم، ويسمونها: "ذات أنواط" فقالوا يا رسول الله، اجعل لنا هذه السدرة ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فقال، - ﷺ -: "قلتموها ورب الكعبة". "اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة".
إنها السنن، فبحيث ظهرت أحداث اليهود من البغي والحسد، وتعظيم ما ظهر تعظيمه، من حيث الدنيا واستحقار ضعفاء المؤمنين، فهنالك أعلام اليهودية.
وكذلك أيضا من اقتصر، من هذه الشريعة الجامعة المحمدية، على باطن: من إصلاح حال أو قلب، مع تضييع ظاهر الأمر، ومجامع الخير، وتعاضد الإسلام، واكتفى بما استبطن وتهاون بما استظهر، فهو من نصارى هذه الأمة، ليس بصاحب فرقان، فكيف أن يكون صاحب قرآن، وذلك أن هذا الدين الجامع، إنما يقوم بمعالم إسلام ظاهرة، وشعائر إيمان في القلوب، وأحوال نفس باطنة، وحقائق إحسان شهودية، لايشهد المحسن مع الله سواه، ولا يومن المؤمن مع الله بغيره، ولا يخضع المسلم إلى شيء من دونه، فبذلك يتم الدين.


الصفحة التالية
Icon