وقد التزم بمعالم الإسلام طوائف يسمون: المتفقهة، والتزم بشعائر الإيمان طوائف يسمون: الأصوليين والمتكلمين، وترامى إلى الإحسان طوائف يسمون: المتصوفة، فمتى كان المتفقه منكرا لصدق أحوال الصوفية، لما لعله يراه من خلل في أحوال المتصوفة، فقد تسنن بسنن اليهودية، ومتى كان المتصوف غير مجل للفقهاء، لما لعله يراه من خلل في أحوال المتفقهة، فقد تسنن بسنن النصارى، وكذلك حال المتكلم بين الفرقتين لأيهما مال، وإنما أيمة الدين الذين جمع لهم الله إقامة معالم الإسلام، وإيمان أهل الإيمان، وشهود أهل الإحسان، تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، فتأتم بهم الصوفية، وتظهر أنوار قلوبهم على ظلم المتشابهات، فيأتم بهم أهل الإيمان، وتبدو في أعمالهم معالم الإسلام تامة، فيأتم بهم أهل الإسلام. ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ أفضل الناس مؤمن في خلق حسن، وشر الناس كافر في خلق سيء، فأولو الفرقان جامعون ومستبصرون.
فمن اقتصر على ظاهر وأنكر باطنا، لزمه مذام اليهود، فيما أنزل من القرآن فيهم، بحسب توغله أو اقتصاره.
ومن اقتصر على باطن دون ظاهر، لزمته مذام النصارى، فيما أنزل من القرآن فيهم. يذكر أن رجلا من صلحاء المسلمين دخل كنيسة، فقال لراهب فيها: دلني على موضع طاهر أصلي فيه، قال الراهب: طهر قلبك، مما سواه، وقم حيث شئت. قال ذلك الصالح المسلم: فخجلت منه.
فاعلم أن كل واحد من هذين الحالين ليس صاحب فرقان، ولا حال صاحب قرآن، لأن صاحب القرآن لا يخجل لهذا القول، لأنه حاله، وقلبه مطهر مما سوى الله، وبعد ذلك لابد أن ينظف ظاهره، لأن الله، سبحانه، كما أنه الباطن، فيحب صفاء البواطن، فإنه الظاهر يحب صلاح الظواهر.


الصفحة التالية
Icon