فصاحب القرآن إذا دعى إلى صفاء الباطن أجاب ولم يتلعثم، وإذا دعى إلى صلاح ظاهر أجاب ولم يتلكأ، لقيامه بالفرقان، وحق القرآن.
يذكر أن مالكا، رحمه الله، دخل المسجد بعد العصر، وهو ممن لا يرى الركوع بعد العصر، فجلس ولم يركع، فقال له صبي: يا شيخ، قم فاركع، فقام فركع، ولم يحاجه بما يراه مذهبا، فقيل له في ذلك؛ فقال: خشيت أن أكون من الذين إذا ﴿قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾. ووقف النبي، - ﷺ -، على سقاية زمزم، وقد صنع العباس أحواضا من شراب فضيح، والمسلمون يردون عليه، وقد خاضوا فيه بأيدهم، فأهوى النبي، - ﷺ -، يشرب من شرابهم، فقال له العباس: يا رسول الله، "ألا نسقيك من شراب لنا في أسقية" فقال، - ﷺ -: أشرب من هذا ألتمس بركة أيدي المسلمين، فشرب منه - ﷺ -.
فصاحب القرآن يعبد الله بقلبه وجسمه، لا يقتصر على باطن دون ظاهر، ولا على ظاهر دون باطن، ولا على أول دون آخر، ولا على آخر دون أول. قال، - ﷺ -: "أمتي كالمطر، لا يدرى أوله خير أم آخره".
فمن حق القارىء أن يعتبر القرآن في نفسه، ويلحظ مواقع مذامه للفرق، ويزن به أحوال نفسه من هذه الأديان، لئلا يكون ممن يسب نفسه بالقرآن، وهو لا يشعر. فهذا وجه من وقوع هذه الأديان الستة في هذه الأمة.
وأما وجه وقوع النفاق وأحوال المنافقين: فهي داهية القراء وآفة الخليقة، قال، - ﷺ -: "أكثر مناففي أمتي قراؤها". وقال بعض كبار التابعين: أدركت سبعين ممن رأى


الصفحة التالية
Icon