وقال الْحَرَالِّي: اعلم أنه كما اشتمل على القرآن كله فاتحة الكتاب، فكذلك أيضا جعل لكل سورة ترجمة جامعة تحتوي على جميع مثاني أيها، وخاتمة تلتئم وتنتظم بترجمتها، ولذلك تترجم السورة عدة سور، وسيقع التنبيه على ذلك في موضعه، إن شاء الله تعالى.
واعلم مع ذلك أن كل نبي منبأ - يقرأ بالهمز - من النبأ، وهو الخبر، فإنه شرع في دعوته وهو غير عالم بطية أمره وخبر قومه، وأن الله عز وجل جعل نبيه محمدا، - ﷺ -، نبيا منبيا من النبوة - يقرأ بغير همز - ومعناه رفعة القدر والعلو، فيما أعلاه الله به أن قدم له بين يدي دعوته علم طية أمره، ومكنون علمه، تعالى، في سر التقديم الذي لم يزل خبأ في كل كتاب، فأعلمه بأنه، تعالى، جبل المدعوين الذين هم بصفة النوس مترددين بين الاستغراق في أحوال أنفسهم، وبين مرجع إلى ذكر ربهم، على ثلاثة أضرب: منهم من فطر على الإيمان، ولم يطبع عليه أي على قبله، فهو مجيب ولابد. ومنهم من طبع على الكفر، فهو آب ولابد. ومنهم من ردد بين طرفي الإيمان ظاهرا، والكفر باطنا، وأن كلا ميسر لما خلق له؛ فكان بذلك انشراح صدره في حال دعوته، وزال به ضيق صدره الذي شارك به الأنبياء - بالهمز، ثم علا بعد ذلك إلى مستحق رتبته العلية، فكان أول ما افتتح له كتابه أن عرفه معنى ما تضمنته "الم" ثم فصل من ذلك ثلاثة أحوال المدعوين بهذا