المحض (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) فإن التقدم، والأولية لا يكون برهانًا على الصحة (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أراد أن يقول عدو لكم لكن بنى الكلام على التعريض، لأنه أدخل في القبول كقولك لمن يسيء الأدب: ليت والدي أدبني، يعني هل عرفتم أنكم عبدتم أعداءكم، قال تعالى: " كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " [مريم: ٨٢] قيل معناه: عدو لي لو عبدتهم، فلهذا لا أعبدهم، وقيل من باب القلب، أي: إني عدو لهم، ووحد العدو لأنه في الأصل مصدر (إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) منقطع، أو متصل لأنَّهُم يعبدون الأصنام مع الله (الذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) إلى طريق مصالح معاشي ومعادي، وعطف الجملة الاسمية بالفاء للدلالة على استمرار الهداية المتأخرة (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) تكرار الموصول للدلالة على استقلال كل باقتضاء الحكم (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) عطف على الصلة من غير إعادة الموصول، لأن الصحة والمرض في الأكثر يتبعان المأكول، والمشروب، وراعى الأدب كما حكى الله تعالى عن الجن: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن: ١٥] وأيضًا غرضه تعداد النعم، والمرض من النقم بحسب الظاهر، وأما الإماتة مع أنها وسيلة للسعداء إلى نيل الفوز، وللأشقياء إلى تقليل أسباب عذابهم، وتطهير الدنيا من دنسهم، فبموت الظالم تفرح الطير في أوكارها، فأمر لا ضرر فيه، لأنها غير محسوس إنما الضرر في مقدماتها أعني المرض (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)


الصفحة التالية
Icon