قوله: (وهو في عرف الشرع) إلى آخره
هذا حد المتقي، ويؤخذ منه حد التقوى.
الراغب: التقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف، وفي التعارف حفظ النفس عن كل ما يؤثم (١).
قوله: (حتى الصغائر عند قوم)
اعلم أنه اختلف في التقوى هل يدخل فيها اجتناب الصغائر، وأنه إذا لم يتوقها هل يستحق هذا الاسم؟ على قولين، وظاهر كلام المصنف، والإمام - وهو المجزوم به في " الكشاف " (٢) - أنه لا يشترط في التقوى، واستحقاق الوصف بالمتقي اجتنابها، وإلا لم يكد يستحق هذا الوصف أحد.
وقد شق على الصحابة لما نزل قوله تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [سورة آل عمران ١٠٣] المفسر بأن يطاع فلا يعصى، فنسخ بقوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٣) [سورة التغابن ١٧] وقال تعالى (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [سورة النجم ٣٣] فاستثنى اللمم، فلم يقدح في الإحسان، وهو كالتقوى، بل أخص منها.
وأصرح منه في الاستدلال قوله تعالى (أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء) إلى أن قال (والذين إذا فعلوا فاحشة) [سورة آل عمران ١٣٤ - ١٣٦] الآية.
وأما حديث الترمذي " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس " (٤) فمحمول على الكمال، أي أعلى درجات المتقين.


الصفحة التالية
Icon