واستشكل آخرون الأمرين معا: الإثبات، والنفي، فإن القرآن لا يثبت بالظن، ولا ينفى بالظن، ولا شكَّ أنه إشكال قويّ كالجبل.
وقد أخبرني بعض الفضلاء بأنه سمع الحافظ ابن حجر يقرر في درسه في الجواب عنه: أن حكم البسملة في ذلك حكم الحروف المختلف فيها بين القراء السبعة، فتكون قطعية الإثبات، والنفي معا، ولهذا قرأ (١) بعض السبعة بإثباتها، وبعضهم بإسقاطها، فاستحسنت ذلك جدا.
ثم رأيت تلميذه الشيخ برهان الدين البقاعي (٢) حكى ذلك عنه في ترجمته من معجمه (٣).
ثم رأيت خاتمة القراء الشيخ شمس الدين ابن الجزري سبقه إلى ذلك فقال

=ثبوت ذلك عن عبد الله، ويحكمون بوضعه واختلافه، ورفع الإشكال لا يكون عن طريق رد صحيح الحديث وإنكاره، فإن هذا ليس طريقة أهل السنة والجماعة.
ويحمل إنكار عبد الله على أنه لم يسمع النبي - ﷺ - يقرأ بهما في الصلاة، وسمع يعوذ بهما الحسن والحسين فظن أنهما مما يعوذ به من الأذكار النبوية، وليستا من القرآن، وسمع غيره يقرأ بهما في الصلاة كعقبة بن عامر عند مسلم ١/ ٥٥٨ والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١/ ١١٤ ورجل من الصحابة عند الصحابة أيضا ١/ ١١٧ وعمرو بن عبسة عند أبي يعلى في مسنده (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ٩/ ٩٢) وتلك شبهة تمنع من تهويل الأمر وتفظيعه على الله. والله أعلم.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٨/ ٥٣١ وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء: أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النبي - ﷺ -، ولم يتواتر عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة كتبوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، وانظر في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ٤٢.
(١) في ظ: اقرأ.
(٢) هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بضم الراء بعدها موحدة خفيفة أبو الحسن البقاعي، كان من أوعية العلم، الجامعيين بين علمي المعقول والمنقول، توفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ١/ ١٠١ والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ١/ ١٩.
(٣) انظر في: عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران ١/ ١٧٣.
(٤) هو محمد بن محمد بن محمد أبو الخير، يعرف بابن الجزري، له تصانيف مفيدة كالنشر في القراءات العشر، تفرد بعلو الرواية، وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل، ومعرفة الرواة المتقدمين والمتأخرين، توفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. الضوء اللامع ٩/ ٢٥٥ والبدر الطالع ٢/ ٧٧٥.


الصفحة التالية
Icon