في كتابه " النشر " - بعد أن حكى الأقوال الخمسة السابقة في البسملة: - وهذه الأقوال ترجع إلى النفي، والإثبات.
والذي نعتقده أن كليهما صحيح، وأن كلّ ذلك حق، فيكون الاختلاف فيها كالاختلاف في القراءات (١). هذا لفظه (٢).
ثم رأيت أبا شامة حكى ذلك في كتاب " البسملة " فقال: ونقل عن بعض المتأخرين (٣) أنها آية حيث كتبت في بعض الأحرف السبعة، دون بعض، قال: وهذا قول غريب، ولا بأس به إن شاء الله تعالى.
وكأنه نزّل اختلاف القراء في قراءتها بين السور منزلة اختلافهم في غيرها، فكما اختلفوا في حركات وحروف اختلفوا أيضاً في إثبات كلمات وحذفها كقوله تعالى في سورة الحديد (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [سورة الحديد ٢٤] اختلف القراء في إثبات (هو) وحذفها، وكذلك (من) في آخر سورة التوبة (تجري من تحتها الأنهار) [سورة التوبة ٨٩] فلا بعد أن يكون الاختلاف في البسملة من ذلك، وإن كانت المصاحف أجمعت عليها فإن من القراآت ما جاء على خلاف خط المصحف كـ (الصراط) و (يبصط) و (مصيطر) اتفقت المصاحف على كتابتها بالصاد، وفيها قراءة أخرى ثابتة بالسين، وقوله تعالى (وما هو على الغيب بضنين) يقرأ بالضاد وبالظاء، ولم يكتب في مصاحف الأئمة إلا بالضاد، وقراءة القرآن تكون في بعض الأحرف السبعة أتم حروفا وكَلِماً من بعض، ولا مانع من ذلك يخشى، فالبسملة في قراءةٍ صحيحةٍ آيةٌ من أم القرآن، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن، والقرآن أنزل على سبعة أحرف، كلها حق، وهذا كله من تلك الأحرف لصحته، فقد وجب -إذ كلّها حقّ- أن يفعل الإنسان في قراءته أيّ ذلك شاء.
قال: وقد تكلّم القاضي أبو بكر على صحة مجيء بعض الأحرف أتم من غيرها، وبيّنه في كتاب " الانتصار " (٤).

(١) في ح، د، ق: كاختلاف القراءات.
(٢) النشر في القراءات العشر ١/ ٢٧٠.
(٣) في كتاب في البسملة: عن بعض متأخري الظاهرية.
(٤) الانتصار للقرآن ١/ ٣٨٦ وكتاب البسملة ل٤.


الصفحة التالية
Icon