ثم قال أبو شامة: فإن قلت: يتفرَّع على القول بهذا -بعد تقريره- أن المكلف بالصلاة مخير في قراءة البسملة فيها، إن شاء قرأها، وإن شاء تركها، كغير هذا الحرف مما اختلف فيه القراء، كلا الأمرين له واسع، وفي مذهبك تتحتم قراءتها.
قلت: إنما تتحتم قراءتها في مذهب الشافعي في الفاتحة وحدها، ولا ينافي هذا القول ذلك، فإن القراء مجمعون على قراءتها أول الفاتحة (١) إلا ما شذّ روايته عن بعضهم، فليس فيها في الفاتحة تخيير، بخلاف غيرها من السور، وإنما وجبت في الفاتحة احتياطا لما أمر به، وخروجا من عهدة الصلاة الواجبة بيقين لتوقف صحتها على ما سماه الشرع فاتحة الكتاب (٢). هذا كله كلام أبي شامة.
قوله: (ما بين الدفتين كلام الله تعالى) في الصحاح: الدفّ الجنب (٤)، وكذا في " الغريبين " قال: ومنه دفتا المصحف، لمشابهتهما الجنبين (٥).
قوله: (لنا أحاديث كثيرة):
منها ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلّم قال: " فاتحة الكتاب سبع آيات، أولاهن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ")
أخرجه الطبراني في الأوسط، وابن مرويه في تفسيره، والبيهقي في سننه بلفظ: " الحمد لله رب العالمين سبع آيات، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحداهن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم، وهي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب "
وأخرجه الدارقطني -وصححه- والبيهقي بلفظ: " إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحدى آياتها (٥)
قوله: (وقول أم سلمة رضي الله عنها قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم الفاتحة، وعدّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين آية)

(١)
قال أبو شامة في إبراز المعاني من حرز الأماني ١/ ٢٣٦ قال بعض العلماء: لا خلاف بين القراء في البسملة في أول فاتحة الكتاب، سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها، أو ابتدأ بها.
(٢) كتاب البسملة ل٥.
(٣) الصحاح/ مادة دفف.
(٤) المجموع المغيث فيغريبي القرآن والحديث/ مادة دفف.
(٥) سبق تخريج هذا الحديث في ص٤٧ غير أني لم أر التصحيح الذي عزاه السيوطي إلى الدارقطني في السنن للدارقطني المطبوع.


الصفحة التالية
Icon