مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة/ ٤١]. فأمّا قوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات/ ١٤]، فنفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام، فلأنّ الإيمان على التصديق والثقة. وكأنّ المعنى: أنّهم، وإن صاروا ذوي سلم وخرجوا من أن يكونوا حربا بإظهار الشهادتين، فإنّهم لم يصدّقوا ولم يثقوا بما دخلوا فيه، فلم يطابق اعتقاداتهم ما أظهروه من الشهادتين، ولم يوافقه.
فهذا في المعنى مثل قوله: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة/ ٤١]. وإيمان المنافقين من هذا الضرب لإظهارهم بألسنتهم ما أمنوا به على دمائهم وأموالهم، والباطن منهم خلاف الظاهر. ولذلك قرأ من قرأ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً «١» [المنافقون/ ٢]، فهؤلاء وإن كانوا قد أظهروا الإسلام، وجرت عليهم أحكامه، فليسوا مسلمين مخلصين، ولا واثقين بما دخلوا فيه، كمن وصف في قوله: «٢» الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد/ ٢٨].
فأمّا جمع من جمع بين هذه الآية وبين الأخرى وهي قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال/ ٢] وقوله: إنّهما متدافعتان- لأنّ الوجل خلاف

(١) قال في البحر ٨/ ٢٧١: قرأ الجمهور: أيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين.
والحسن بكسرها مصدر «آمن».
(٢) في (ط). قوله تعالى.


الصفحة التالية
Icon