لأنّ المعنى يصير: أعلم في هذا الموضع أو هذا الوقت، ولا يوصف الله «١» بأنّه أعلم في مواضع أو أوقات، كما تقول:
زيد أعلم في مكان كذا منه في مكان كذا، أو زمان كذا، فإذا كان كذلك لم يجز أن يكون العامل «أعلم» هذه وإذا لم يجز أن يكون إيّاه كان فعلا يدلّ عليه أعلم، وإذا لم يجز أن يكون «حيث» ظرفا لما ذكرناه، كان اسما، وكان انتصابه انتصاب المفعول به على الاتساع كما يكون ذلك في كم ومتى ونحوهما «٢»، ويقوّي ذلك دخول الجار عليها.
وقد حكى بعض البصريين فيها الإعراب، وكان الأصل: الله أعلم بمواضع رسالاته، ثم حذف الحرف، كما قال: أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ «٣» [النحل/ ١٢٥] وفي موضع آخر: أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ [الانعام/ ١١٧] ف «من يضل» معمول فعل مضمر دلّ عليه أعلم، ولا يجوز أن يكون معمول أعلم، لأن المعاني لا تعمل في مواضع الاستفهام ونحوه، إنما تعمل فيها الأفعال التي تلغى، فتعلّق كما تلغى. ومثل ذلك- في أنّه لا يكون إلا محمولا على فعل- ما أنشده أبو زيد «٤»:

(١) في (ط) زيادة: عزّ وجلّ.
(٢) في (ط): كم ونحوها.
(٣) «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» في الآيات ١٢٥ من سورة النحل، ٣٠ من سورة النجم، ٧ من سورة القلم، وفي الأصل: بمن يضل عن سبيله، وهو سهو من الناسخ.
(٤) هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري، كان إماما نحويا صاحب تصانيف أدبية ولغوية، وغلبت عليه اللغة والنوادر والغريب، وهو


الصفحة التالية
Icon